responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 250
قُلْت: فَهَذِهِ فَتَاوَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَالزُّهْرِيِّ، مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ رَاوِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَ مَعْمَرٍ فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ " فَلَا تَقْرَبُوهُ " مَتْرُوكٌ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ، فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ يُجَوِّزُوا الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُجَوِّزُ بَيْعَهُ أَوْ تَطْهِيرَهُ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ " فَلَا تَقْرَبُوهُ "، وَمَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ يَقُولُ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» احْتِرَازٌ عَنْ الثَّوْبِ، وَالْبَدَنِ وَالْإِنَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَنَجَّسُ، وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِمَاءٍ يَتَنَجَّسُ، فَإِنَّ الْهَوَاءَ وَنَحْوَهُ لَا تَتَنَجَّسُ، وَلَيْسَ بِمَاءٍ. كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: «إنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ» احْتِرَازٌ عَنْ الْبَدَنِ، فَإِنَّهُ يُجْنِبُ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِمَاءٍ يُجْنِبُ، وَلَكِنْ خَصَّ الْمَاءَ بِالذِّكْرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِ حُكْمِهِ، «فَإِنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ اغْتَسَلَتْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ جُنُبًا فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ» مَعَ أَنَّ الثَّوْبَ لَا يُجْنِبُ، وَالْأَرْضُ لَا تُجْنِبُ، وَتَخْصِيصُ الْمَاءِ بِالذِّكْرِ لِمُفَارَقَةِ الْبَدَنِ لَا لِمُفَارَقَةِ كُلِّ شَيْءٍ.
وَكَذَلِكَ «قَالُوا لَهُ: أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحُيَّضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ، فَقَالَ: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» .
فَنَفَى عَنْهُ النَّجَاسَةَ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ، كَمَا نَفَى عَنْهُ الْجَنَابَةَ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَبَاحَ لَنَا الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ، وَالنَّجَاسَاتُ مِنْ الْخَبَائِثِ، فَالْمَاءُ إذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ لِلْخَبِيثِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَهَلْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ يُنَجِّسُهُ لِاخْتِلَاطِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ إلَى حَيْثُ يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى تَطْهِيرِهِ، أَوْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ طَهَارَتُهُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ فِيهِ النَّجَاسَةُ الْخَبِيثَةُ الَّتِي يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا؟ لِلْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ الْأَصْلُ النَّجَاسَةُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 250
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست