responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 235
وَأَمَّا دُخَانُ النَّجَاسَةِ: فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ: أَنَّ الْعَيْنَ النَّجِسَةَ الْخَبِيثَةَ إذَا اسْتَحَالَتْ حَتَّى صَارَتْ طَيِّبَةً كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الطَّيِّبَةِ، مِثْلَ: أَنْ يَصِيرَ مَا يَقَعُ فِي الْمَلَّاحَةِ مِنْ دَمٍ وَمَيْتَةٍ وَخِنْزِيرٍ، مِلْحًا طَيِّبًا كَغَيْرِهَا مِنْ الْمِلْحِ، أَوْ يَصِيرَ الْوُقُودُ رَمَادًا، وَخُرْسَفًا، وقصرملا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَفِيهِ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَطْهُرُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَمَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهَا تَطْهُرُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَمْ تَتَنَاوَلُهَا نُصُوصُ التَّحْرِيمِ لَا لَفْظًا، وَلَا مَعْنًى، فَلَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَلَا فِي مَعْنَى الْمُحَرَّمِ، فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهَا، بَلْ تَتَنَاوَلُهَا نُصُوصُ الْحِلِّ، فَإِنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَهِيَ أَيْضًا فِي مَعْنَى مَا اُتُّفِقَ عَلَى حِلِّهِ، فَالنَّصُّ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي تَحْلِيلَهَا.
وَأَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْخَمْرِ إذَا صَارَتْ خَلًّا بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، صَارَتْ حَلَالًا طَيِّبًا، وَاسْتِحَالَةُ هَذِهِ الْأَعْيَانِ أَعْظَمُ مِنْ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ، وَاَلَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا قَالُوا: الْخَمْرُ نَجُسَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ فَطَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ. بِخِلَافِ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ. وَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ نَجُسَتْ أَيْضًا بِالِاسْتِحَالَةِ، فَإِنَّ الدَّمَ مُسْتَحِيلٌ عَنْ أَعْيَانٍ طَاهِرَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ، وَالْحَيَوَانُ النَّجَسُ، مُسْتَحِيلٌ عَنْ مَادَّةٍ طَاهِرَةٍ مَخْلُوقَةٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَبَائِثَ لِمَا قَامَ بِهَا مِنْ وَصْفِ الْخَبَثِ، كَمَا أَنَّهُ أَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ لِمَا قَامَ بِهَا مِنْ وَصْفِ الطَّيِّبِ، وَهَذِهِ الْأَعْيَانُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ وَصْفِ الْخَبَثِ، وَإِنَّمَا فِيهَا وَصْفُ الطَّيِّبِ.
فَإِذَا عُرِفَ هَذَا: فَعَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ: فَالدُّخَانُ، وَالْبُخَارُ الْمُسْتَحِيلُ عَنْ النَّجَاسَةِ: طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ هَوَائِيَّةٌ وَنَارِيَّةٌ وَمَائِيَّةٌ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ وَصْفِ الْخَبَثِ

اسم الکتاب : الفتاوى الكبرى المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 235
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست