responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 55
لَمْ يَقُلْ بِهِ السَّلَفُ؛ بَلْ قَالُوا خِلَافَهُ، وَالثَّانِي: أَنْ تَجْعَلَ أَجْزَاءً دَاخِلَةً فِي مَفْهُومِهِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ، فَإِنَّ الْأَجْزَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الذَّاتِ كَالشَّعْرِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لِلْإِنْسَانِ وَالْأَغْصَانِ لِلشَّجَرَةِ. فَاسْمُ الشَّجَرَةِ صَادِقٌ عَلَى الْأَصْلِ وَحْدَهُ. وَعَلَيْهِ مَعَ الْأَغْصَانِ وَلَا يَزُولُ بِزَوَالِ الْأَغْصَانِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ السَّلَفِ. وَقَوْلُهُمْ " الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ " فَلَمْ يَجْتَمِعْ هَذَانِ الْكَلَامَانِ إلَّا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَمِنْ هُنَا قَالَ النَّاسُ " شُعَبُ الْإِيمَانِ " جَعَلُوا الْأَعْمَالَ لِلْإِيمَانِ كَالشُّعَبِ لِلشَّجَرَةِ. وَقَدْ مَثَّلَ اللَّهُ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ وَهُوَ أَصْدَقُ شَاهِدٍ لِذَلِكَ، الثَّالِثُ أَنْ تَجْعَلَ الْآثَارَ آثَارًا خَارِجَةً عَنْ الْإِيمَانِ لَكِنَّهَا مِنْهُ وَبِسَبَبِهِ. وَإِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهَا فَبِالْمَجَازِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ. وَهُوَ قَرِيبٌ لَكِنَّ الَّذِي قَبْلَهُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ السَّلَفِ وَظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، الرَّابِعُ. أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ لَا تُطْلَقُ عَلَيْهَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.
وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ، وَالْمُخْتَارُ الْقَوْلُ الثَّانِي. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ دُونَ الْعَمَلِ. وَالِاعْتِقَادِ وَحْدَهُ بِشَرْطِ الْقَوْلِ، فَإِذَا عُدِمَ الْعَمَلُ لَمْ يُعْدَمْ الْإِيمَانُ وَإِذَا عُدِمَ الْقَوْلُ لَمْ يُعْدَمْ الْإِيمَانُ وَلَكِنْ عَدِمَ شَرْطُهُ فَيُعْدَمُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ. وَإِذَا عُدِمَ الِاعْتِقَادُ عُدِمَ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا: الْأَعْمَالُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ كَانَ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ غَيْرُ حَازِمٍ بِكَمَالِ الْأَعْمَالِ عِنْدَهُ، وَبِهَذَا يُشْعِرُ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ، وَأَنَّهُمْ إذَا اسْتَثْنُوا فَإِنَّمَا اسْتَثْنُوا لِذَلِكَ؛ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ، وَقَدْ قُلْنَا إنَّهُ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ فَقَدَ الْأَعْمَالَ يُجْزَمُ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ الْإِيمَانَ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَهُوَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْأَعْمَالُ، وَلَهَا مَرَاتِبُ أَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَمُؤْمِنٌ اسْمُ فَاعِلٍ مُشْتَقٌّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِيمَانِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِيمَانِ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ فَيَصِحُّ، وَأَمَّا أَصْلُ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ السَّلَفَ إنَّمَا اسْتَثْنُوا لِاعْتِقَادِهِمْ دُخُولَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِيمَانِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَالْوَجْهُ أَنْ يُضَافَ إلَى ذَلِكَ إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ أَنَا مُؤْمِنٌ " يَقْتَضِي أَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. فَلِذَلِكَ اسْتَثْنُوا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْإِيمَانَ إنَّمَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ إذَا مَاتَ عَلَيْهِ. فَمَنْ مَاتَ كَافِرًا

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست