responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 423
الصَّدْرُ بِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ فِي حَدِيثِهِ عَلَى التَّنْزِيهِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ الِاضْطِرَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُوجِبُ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ لِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ لَا نَشُكُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَصَلَ مِنْ رَافِعٍ، وَإِنَّمَا الِاضْطِرَابُ فِي كَوْنِهِ رَوَاهُ تَارَةً وَأَرْسَلَهُ وَتَارَةً عَنْ عَمِّهِ وَتَارَةً عَنْ عَمَّيْهِ وَتَارَةً عَنْ رَجُلٍ مِنْ عُمُومَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ عَنْ رَافِعٍ وَرَافِعٌ صَحَابِيٌّ وَمُرْسَلُهُ صَحِيحٌ لَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَمَّيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَكَفَى سَمَاعُهُ مِنْ عَمَّيْهِ، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ أَصْلٌ، وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ كَانَ عَامًّا، أَوْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا وَهَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، أَوْ التَّنْزِيهِ هَذَانِ الْأَمْرَانِ هُمَا مَحَلُّ التَّرَدُّدِ وَمُزَارَعَةُ خَيْبَرَ تُرَجِّحُ الْحَمْلَ عَلَى التَّنْزِيهِ، أَوْ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ تُفْعَلُ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَيْبَرَ نَاسِخٌ لِنَهْيِهِ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ وَفِعْلُهُ فِي خَيْبَرَ مُسْتَمِرٌّ إلَى وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُعْلَمُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مِثْلِهِ وَنَأْخُذُ بِالنَّهْيِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ إلَّا إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ؛ إمَّا أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا بِنَفْسِهِ وَأَعْوَانِهِ، إمَّا أَنْ يَمْنَحَهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ اشْتَرَكَا فِي زِرَاعَتِهَا فِي الْآلَةِ، وَالْبَذْرِ، وَالْبَقَرِ فَحَسَنٌ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَهَا لِمَنْ يَزْرَعُهَا وَأَعْوَانُهُ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ جُزْءٌ مِنْ الْمُغَلِّ النِّصْفُ، أَوْ الثُّلُثُ وَنَحْوُهُ كَقَضِيَّةِ خَيْبَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِرَافِعٍ فِي النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بِرِوَايَةِ النَّهْيِ وَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ مِنْ طَرِيقِهِ وَطَرِيقِ غَيْرِهِ، وَلَا جَوَابَ إلَّا أَحَدُ ثَلَاثَةٍ إمَّا النَّسْخُ كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَإِمَّا الْحَمْلُ عَلَى الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُمْ وَيُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَهُوَ عِنْدِي أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ خَيْبَرَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَيْسَ بِأَقْرَبَ مِنْ سُلُوكِ الْمَجَازِ، وَالْحَمْلِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالْإِرْشَادِ إلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَمَّا إجَارَةُ الْأَرْضِ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ طَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَكَلَامُ رَافِعٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِيثِهِ وَلَا يُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَيْهِ.
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا حَكَيَا الْقِصَّةَ الَّتِي حَكَاهَا رَافِعٌ فَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَإِذَا تَبَيَّنَ بِكَلَامِ رَافِعٍ تَخْصِيصُهُ بِسَبَبِهِ وَوُجُوبُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ سَلَكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ كِرَاؤُهَا بِذَلِكَ فَيَجُوزُ فِي الْأَرْضِ كِرَاؤُهَا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 423
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست