responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 357
مُقَابَلَةَ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ لَا يَتَعَرَّضُ إلَى الْأَفْرَادِ لَفْظًا، وَلَكِنَّا نَأْخُذُهَا مِنْ خَارِجٍ مِنْ الْمَآخِذِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا

وَقَوْلُ السَّائِلِ: إنَّهُ إذَا احْتَمَلَ، وَجَبَ الْأَخْذُ بِالْمُحَقَّقِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيّ فِي الْإِقْرَارِ غَفْلَةٌ فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بَلْ مِنْ بَابِ الْعُقُودِ، وَالْعُقُودُ لَا تُبْنَى عَلَى الْيَقِينِ كَالْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا تُبْنَى عَلَى حَقَائِقِهَا، وَمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِ لُغَةً، وَشَرْعًا، وَهَذَا اللَّفْظُ، وَمُقَابَلَةُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ مُحْتَمِلٌ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ يَقْتَضِي الشَّرْعُ ذَلِكَ، وَأَيْنَ مَآخِذُ الْفِقْهِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ. قُلْت: الضَّمَانُ وَثِيقَةٌ كَالرَّهْنِ فَالضَّامِنَانِ لِدَيْنٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَقْسِيطٍ كَالْعَبْدَيْنِ الْمَرْهُونَيْنِ بِدَيْنِ وَاحِدٍ لَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا إلَّا بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، فَإِنْ قُلْت: الْعَيْنَانِ الْمَرْهُونَتَانِ إذَا كَانَتَا لِوَاحِدٍ فَهُوَ رَهْنٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَتْ نَظِيرَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ هُنَا مُتَعَدِّدٌ، وَإِنْ كَانَتَا لِاثْنَيْنِ فَهُمَا رَهْنَانِ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ فَلَا يَصِحُّ مَا قُلْتُمُوهُ.
قُلْت: يَصِحُّ مَا قُلْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَتَا لِاثْنَيْنِ، وَقَدْ رَهْنَاهَا عِنْدَ شَخْصٍ عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي الْعَبْدِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ النِّصْفَيْنِ مَرْهُونٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ الرَّهْنَ مُتَعَدِّدٌ، وَقَاعِدَةُ الرَّهْنِ: أَنَّهُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الرَّاهِنِ كَمَا تَتَعَدَّدُ صَفْقَةُ الْبَيْعِ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ، وَإِذَا تَعَدَّدَ فَلَا يَتَوَقَّفُ فَكُّ أَحَدِهِمَا عَلَى فَكِّ الْآخَرِ. قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا رُهِنَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا فَتَعَدُّدُ الدَّيْنِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ مَعَ تَعَدُّدِهِمَا، وَهَاهُنَا تَجِبُ الْبَيِّنَةُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا رَهَنَا عَيْنًا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا كَانَ فِي حُكْمِ رَهْنَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ رَهْنًا وَاحِدًا حَتَّى أَجَازَهُ، وَإِنْ مَنَعَ رَهْنَ الْمُشَاعِ، وَقَالَ: لَا يَنْفَكُّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَنْفَكَّ الْآخَرُ، وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَإِنْ قُلْنَا: هُمَا رَهْنَانِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا رَهَنَا جَمِيعًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَقَدْ رَهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَضْعُ الرَّهْنِ، وَهُمَا قَدْ جَعَلَاهُ رَهْنًا وَاحِدًا، وَإِنْ حَكَمْنَا نَحْنُ بِتَعَدُّدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ الْجَمِيعِ.
وَرَهْنُ الشَّخْصِ نَصِيبَهُ بِدَيْنِهِ، وَدَيْنِ غَيْرِهِ جَائِزٌ، وَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فَنَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: السِّرُّ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَدَّدَا، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا، وَحُكْمُ الرَّهْنِ عَلَى دَيْنِهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الرَّهْنِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي عَيْنٍ، وَظَاهِرُ الْحَالِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَرْهَنُ عَلَى دَيْنِ نَفْسِهِ، وَإِذَا أَرَادَ الرَّهْنَ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ صَرَّحَ بِمُقْتَضَاهُ فَلَمَّا أَطْلَقَا، وَقَرِينَةُ الْحَالِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَرْهَنُ عَلَى دَيْنِ نَفْسِهِ، وَكَانَ فِي الْعُدُولِ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةً لِظَاهِرِ الْحَالِ، وَجَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ فَأَحَبَّ، وَتَرَكَ كُلَّ رَهْنٍ عَلَى دَيْنِ صَاحِبِهِ فَقَطْ فَلَا جَرَمَ يَنْفَكُّ بِأَدَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 357
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست