responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 342
النَّظَرُ فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فَلْنَذْكُرْ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصْحَابِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ ذَكَرَهَا أَبْسَطَ مِنْهُ قَالَ الْجَوْزِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُعَجِّلَ لَهُ الْعِتْقَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ حَالَّةٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَهَا حَالًّا عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي دَيْنٍ إلَى أَجَلٍ عَلَى حُرٍّ، فَإِنْ فَعَلَ هَذَا عَلَى أَنْ يُحْدِثَ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقًا فَأَحْدَثَهُ عَتَقَ، وَرَجَعَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ.
فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ هَذَا لَهُمَا فَلْيَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ، وَيَرْضَى السَّيِّدُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ فَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ، وَيُنَفَّذُ الْعِتْقُ، وَالْعِوَضُ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ عَنْ الشَّافِعِيِّ بَعْضَ هَذَا الْكَلَامِ، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَفْظُهُمْ الَّذِي نَقَلُوهُ: لَوْ عَجَّلَ لَهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَ، وَلَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّهُ أُبْرِئ مِمَّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَلْيَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ، وَيَرْضَى السَّيِّدُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ فَيَجُوزُ، وَعَلَّلَ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَبُطْلَانِهِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَزِيدُونَ فِي الْحَقِّ لِيَزِيدَ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي الْأَجَلِ، وَهَذَا يُنْقِصُ عَنْ الْحَقِّ لِيُنْقِصَ مِنْ الْأَجَلِ فَهُوَ يُشْبِهُهُ فِي مَعْنَاهُ.

وَتَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ السَّلَمِ فِيمَا إذَا عَجَّلَ بَعْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِيُبَرِّئَهُ عَنْ الْبَاقِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَغَيْرُهُمَا هُنَاكَ، وَفِي الْكِتَابَةِ كَمَا ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَفِي الْبَابَيْنِ عَلَّلُوا بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ شَرْطَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ التَّعْجِيلُ مَشْرُوطًا بِالْإِبْرَاءِ، وَالثَّانِي أَنْ يَقَعَ الْإِبْرَاءُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ لِمَا شَرَطَهُ الدَّافِعُ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ فَيَكُونُ هَذَا عَقْدًا فَاسِدًا لِشَبَهِهِ بِرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ؛ وَلِذَلِكَ تَرْجَمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي النُّكَتِ الْمَسْأَلَةَ بِتَرْجَمَةٍ تُنْبِئُ عَنْ هَذَا الْغَرَضِ فَقَالَ: إذَا صَالَحَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ لَمْ يَصِحَّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ لَنَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فَلَمْ يَجُزْ كَالثَّمَنِ، وَالْأُجْرَةِ، وَالصَّدَاقِ، وَلِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ بِالزِّيَادَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إذَا قَالَ: عَجِّلْ لِي حَتَّى أُبْرِئَك، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَالْإِبْرَاءُ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ بَقِيَّةِ الْأَصْحَابِ يُرْشِدُ إلَى تَصْوِيرِهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَنْقُلُونَ الْخِلَافَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَأَنَّهُمَا قَالَا بِالْجَوَازِ؛ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ يَقْتَضِي الْمُوَافَقَةَ عَلَى الْمَنْعِ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِيهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ الْآثَارِ.
وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 342
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست