responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 341
مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيُّ: بَابُ مَنْ عَجَّلَ لَهُ أَدْنَى مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَوَضَعَ عَنْهُ طَيِّبَةً بِهِ أَنْفُسُهُمَا.
وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ إذَا جَرَى بِالشَّرْطِ بِأَنَّهُ يُضَارِعُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ. رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْحَقُّ قَالَ لَهُ غَرِيمُهُ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي، فَإِنْ قَضَاهُ أَخَذَهُ، وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ، وَهَذَا الرِّبَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَبُطْلَانِهِ حَتَّى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ الَّذِي خَالَفَ فِي رِبَا الْفَضْلِ يُحَرِّمُ هَذَا، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] فَقَاسَ الْأَصْحَابُ النَّقْصَ عَلَى الزِّيَادَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ الَّذِي دَعَانَا إلَى الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ خِلَافٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ بِالشَّرْطِ، وَلَا أَنْفِي الْخِلَافَ فَإِنِّي كَلَّمْت الْحَنَفِيَّةَ فَرَأَيْتهمْ مُضْطَرِبِينَ فِي تَحْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ، وَضَبْطِ مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ مِمَّا لَا يَمْتَنِعُ، وَلَمْ أَرَ تَحْرِيرَ ذَلِكَ ضَرُورِيًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا دَيْنُ الْكِتَابَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بِجِوَازِ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَةِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَعِنْدَنَا هُوَ كَغَيْرِهِ إنْ جَرَى ذَلِكَ فِيهِ بِالشُّرُوطِ فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا فَسَدَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْجِيلُ، وَلَا الْإِبْرَاءُ، وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ، فَإِنْ قُلْت: لَنَا خِلَافٌ فِي الْقَدِيمِ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ هُنَا فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَغَيْرِهِ. قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَعْلِيقٍ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَنَجْزِمُ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَعْنَى الرِّبَا الْجَاهِلِيِّ، فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ فَسَدَ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْمُكَاتَبِ عِتْقٌ. قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ الْإِبْرَاءُ عِتْقًا إذَا أُبْرِئَ مَجَّانًا، وَهُنَا أُبْرِئَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضِ التَّعْجِيلِ.
فَإِنْ قُلْت: وَلَوْ جَعَلَ بَدَلَ الْإِبْرَاءِ الْعِتْقَ. قُلْت: تَفْسُدُ الْمُعَاوَضَةُ، وَيُعْتَقُ بِالتَّعْجِيلِ الْفَاسِدِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ قِيمَتِهِ؛ أَمَّا فَسَادُ الْمُعَاوَضَةِ فَلِأَنَّهُ أَنْشَأَ عَقْدَ عَتَاقَةٍ بِمَالٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَعِتْقُهُ بِالتَّعْجِيلِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ مَجَّانًا، وَهَذَا مَنْقُولٌ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ عَلَى عِوَضٍ غَيْرِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ وُقُوعَ الْعِتْقِ، وَقَالَ: إنَّ مَا لَا يَصِحُّ تَنْجِيزُهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَجَوَابُهُ إنَّ الَّذِي لَا يَصِحُّ تَنْجِيزُهُ، وَهُوَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَالٍ آخَرَ أَمَّا مُطْلَقُ عِتْقِهِ فَيَصِحُّ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ، وَالْمَالُ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا التَّعْلِيقِ فَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى تَعْجِيلِهِ فَهَلْ يَكُونُ كَتَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ فَيَبْطُلُ، أَوْ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ سَنَحْكِي مِنْ كَلَامِ الْجَوْزِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَيَكُونُ عِوَضًا فَاسِدًا، وَاَلَّذِي دَعَانَا إلَى الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 341
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست