responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 326
وَحَلَفَ، وَاسْتَحَقَّ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْوُجُوبِ، وَالِاسْتِحْبَابِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَاكِمِ أَمَّا الْخَصْمُ إذَا طَلَبَهُ فَيَجِبُ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي أَلْفَاظِ الْيَمِينِ الَّتِي يَحْلِفُهَا غَرِيمُ الْغَائِبِ، وَأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ الْآنَ، وَتَكْلِيفُ الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ ذَلِكَ صَعْبٌ، وَهُوَ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ غَالِبًا فَالْوَجْهُ الِاقْتِصَارُ فِي حَقِّهِ عَلَى نَفْيِ الْمُسْقِطِ كَمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ لَهُ، وَكَذَا فِي حَقِّ كُلِّ وَارِثٍ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا حَالَةَ الْمُحَاكَمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

[التِّجَارَة بِمَالِ الْيَتِيم]
(مَسْأَلَةٌ) اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي التِّجَارَةِ بِمَالِ الْيَتِيمِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ، أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ؟ ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا، وَاجِبَةٌ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الزَّائِدَ لَا يَجِبُ، وَيَقْتَصِرُ الْوُجُوبُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِالْإِمْكَانِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَالسُّهُولَةِ، أَمَّا إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّا نَرَى التُّجَّارَ الْحَاذِقِينَ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ يَكُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ لِمَصَالِحِهِمْ، وَلَا يَقْدِرُونَ فِي الْغَالِبِ عَلَى كَسْبِهِمْ مِنْ الْفَائِدَةِ بِقَدْرِ كُلْفَتِهِمْ، وَأَيْنَ ذَاكَ، وَلَعَلَّ هَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ حِينَ كَانَ الْكَسْبُ مُتَيَسِّرًا، وَلَا مَكْسَ، وَلَا ظُلْمَ، وَلَا خَوْفَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَهَذَا أَعَزُّ شَيْءٍ يَكُونُ، وَكَثِيرٌ مِنْ التُّجَّارِ يَخْسَرُونَ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ مَعَهُ مَالٌ يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَنْمِيَهُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ كَانُوا هُمْ سُعَدَاءَ، وَنَحْنُ نَرَى أَكْثَرَهُمْ مُعْسِرِينَ، وَالْإِنْسَانُ يُشْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا لَفَعَلُوهُ فَكَيْفَ يُكَلَّفُ بِهِ، وَلِيُّ الْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عِنْدَ السُّهُولَةِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ عِنْدَ السُّهُولَةِ، وَلَا عِنْدَ غَيْرِهَا، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَوَى «اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى كَيْ لَا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ، أَوْ النَّفَقَةُ» ، أَوْ كَمَا قَالَ، وَقَدْ شَرَطَ الْأَصْحَابُ فِي جَوَازِ التِّجَارَةِ لِلْيَتِيمِ شُرُوطًا، وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ خَطِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَسْعَارَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهَا، وَقَدْ يَشْتَرِي سِلْعَةً فَتَكْسَدُ، وَيَحْتَاجُ الْيَتِيمُ إلَى نَفَقَةٍ فَيَضْطَرُّ إلَى بَيْعِهَا بِخُسْرَانٍ، أَوْ يَتَرَشَّدُ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّ شِرَاءَهَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ، أَوْ بِتَسَلُّطِ الظَّلَمَةِ عَلَى الْوَلِيِّ فِيمَا يَطْرَحُونَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِالشِّرَاءِ، وَيُلْزِمُونَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْيَتِيمِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِمْ فَيَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَحَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ غَلَبَةُ قُوَّةِ مَصْلَحَةِ الْيَتِيمِ الَّتِي أَشَارَ الشَّارِعُ إلَيْهَا يَفْعَلُهَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ تَحْتَ هَذَا الْخَطَرِ الدُّنْيَوِيِّ، وَبِحَسَبِ قَصْدِهِ يُعِينُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَيِّدٌ، وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مُسْتَنَدُهُ ظَاهِرُ الْأَمْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِمَا قُلْنَاهُ، وَالْأَمْرُ فِيهِ خَطَرٌ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ، وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَشَاقِّ الَّتِي فِي تَوَلِّي مَالِ الْيَتِيمِ الَّتِي أَشَارَ الشَّارِعُ إلَيْهَا فِي

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 326
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست