responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 228
فِيهِ وَهُوَ إنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ:
وَأَمَّا الرُّجْحَانُ عِنْدِي فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَزُولُ النَّقْصُ لِأَنَّ الَّذِي تَخَيَّلْتُهُ مِمَّا قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ لِزَوَالِ النَّقْصِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا وَأَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جَبُّ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْإِثْمِ، وَتَشْبِيهُ التَّائِبِ بِمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً وَالْمُشَبَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَوْضِعُ التَّشْبِيهِ هُوَ الذَّنْبُ السَّابِقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا مِنْ حَيْثُ عَوَارِضُهُ وَمَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ» مَعْنَاهُ مِنْ الذَّنْبِ الْمَعْهُودِ أَوْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَوْ مِنْ جِنْسِ الذَّنْبِ، وَقَوْلُهُ «كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» الْمَقْصُودُ بِهِ الْعَهْدُ وَأَنَّ الْمَعْنَى كَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَنْبُ ذَلِكَ الذَّنْبِ قَطُّ وَلَا يَبْقَى فِيهِ تَعَلُّقٌ لِلسَّبَبِ؛ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ مَعَ الذَّنْبِ الْمُتَقَدِّمِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ مَعَ إرَادَةِ الْعَهْدِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْأَوَّلِ فَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ هَذَا مُرَادٌ لِتَعَذُّرِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ قَدْ تُعَادُ مَعْرِفَةً وَالنَّكِرَةَ قَدْ تُعَادُ مَعْرِفَةً فَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ.
وَالنَّكِرَةُ تُعَادُ نَكِرَةً وَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إعَادَةُ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً فَقَلِيلٌ وَوَرَدَ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْهُ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَثَرُ التَّوْبَةِ إنَّمَا هُوَ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّوْبَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَنْهِيَّاتِ دُونَ تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ، وَفَوَاتُ صِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الصَّوْمِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا التَّوْبَةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَجَّ فَرَفَثَ فِي حَجِّهِ وَفَسَقَ وَجَادَلَ ثُمَّ تَابَ لَا يُمْكِنَّا أَنْ نَقُولَ عَادَ حَجُّهُ كَامِلًا بَعْدَ مَا نَقَصَ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ نَهَارِ الصَّوْمِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ.
وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ الرُّجُوعُ وَالرُّجُوعُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ يَكْفِي لِأَنَّ الْعَدَمَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فَاتَ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَالْقَصْدُ إلَيْهِ قَدْ حَصَلَ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ فَكَفَى، وَأَمَّا تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفِعْلِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ فَمَنْ تَابَ مِنْ الْحَرَامِ الْوَاقِعِ فِي الصَّوْمِ حَصَّلَ الْمَقْصُودَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرَامِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَارْتَفَعَ إثْمُهُ وَلَمْ يُحَصِّلْ الْمَقْصُودَ فِي تَحْصِيلِ صِفَةِ السَّلَامَةِ لِلصَّوْمِ إذْ يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ؛ وَفِي هَذَا احْتِمَالٌ هُوَ مَثَارُ الثَّلْمِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ تَرْكَ تِلْكَ الْمَنْهِيَّاتِ جُزْءًا مِنْ الصَّوْمِ حَتَّى تَكُونَ مُلْتَحِقَةً بِالْمَأْمُورَاتِ فَقَدْ تَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِقُبْحِهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا تُضَمُّ إلَى الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ فَإِذَا جَاءَتْ التَّوْبَةُ مَحَتْ ذَلِكَ الْقُبْحَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَبْقَى الصَّوْمُ عَلَى سَلَامَتِهِ.
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ وَشَرِبَ يُتِمُّ صَوْمَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 228
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست