responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 227
الِالْتِفَاتِ الدَّالِّ عَلَى قُوَّةِ الْغَضَبِ وَذَلِكَ لِأَجْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الْبُيُوتِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَالْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ لِأَجْلِ النَّظَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِبْدَاءِ الزِّينَةِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَنَاهٍ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 70] فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ. وَجَزَاؤُهُمْ بَعْدَ مَا ذَكَرَ ثَلَاثَةً مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَوَاحِدٌ فِيهِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَهُوَ الْإِنْفَاقُ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ ثُمَّ خَتَمَ بِثَلَاثَةٍ وَقَالَ عَنْ الْعَشَرَةِ {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: 75] فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّوْبَةَ عَنْ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَرْتَفِعُ بِهَا إثْمُهُ.
وَأَمَّا التَّوْبَةُ عَنْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَمْ أَجِدْهَا وَتَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَكِنْ لَا يَكْفِي بِدُونِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَأْتِ فِيهِ فَلَوْ فَرَضْنَا مَنْ تَرَكَ صَلَاةً عَامِدًا ثُمَّ نَدِمَ وَتَابَ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْقَضَاءِ هَلْ نَقُولُ لَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ أَصْلًا حَتَّى يَقْضِيَ أَوْ تَصِحُّ وَيَسْقُطُ الْإِثْمُ السَّابِقُ وَتَبْقَى الصَّلَاةُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا؟ هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْأَوَامِرَ قَصَدَ فِيهَا فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِ وَلَا تَحْصُلُ لَك الْمَصْلَحَةُ إلَّا بِالْفِعْلِ فَإِذَا تَرَكَ عَصَى لِإِخْلَالِهِ بِالْمَقْصُودِ؛ وَتِلْكَ الْمَعْصِيَةُ مُسْتَمِرَّةٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَقْصُودِ فَلَا يَسْقُطُ الْفِعْلُ قَطْعًا وَلَا الْإِثْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَمَّا النَّوَاهِي فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا عَدَمُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ الْمُكَلَّفُ بِهِ هُوَ الْكَفُّ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْعَدَمُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ سَاهِيًا لَمْ يَأْثَمْ لِحُصُولِ مَقْصُودِ النَّهْيِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ السَّاهِي عِبَادَةً؛ وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ رِيَاءً وَسُمْعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالتَّرَدُّدُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ أَمَّا الْفِعْلُ فَلَا يَسْقُطُ قَطْعًا إلَّا بِالْفِعْلِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمَنْهِيَّاتُ تَسْقُطُ بِالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَالْمَأْمُورَاتُ لَا تَسْقُطُ بِالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : إذَا تَابَ عَنْ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْحَاصِلَتَيْنِ مِنْهُ فِي الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَبِيرَةً وَفَعَلَ صَغِيرَةً وَحَصَلَ مِنْهُ مِنْ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا كَفَّرَهَا فَلَا شَكَّ فِي سُقُوطِ إثْمِهَا وَلَكِنْ هَلْ نَقُولُ ذَلِكَ النَّقْصُ الَّذِي حَصَلَ مِنْهَا لِلصَّوْمِ يَزُولُ وَيَزُولُ حُكْمُهَا كَمَا زَالَ إثْمُهَا أَوْ لَا يَزُولُ؟
هَذَا أَصْلُ السُّؤَالِ وَاسْتَعْظَمْت الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ يَظْهَرُ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فِي الْأَعْمَالِ فَلَمْ نُتَكَلَّفْ الْخَوْضَ فِيهِ، ثُمَّ قُلْت: لَعَلَّ بِعِلْمِهِ يَكُفُّ الصَّائِمُ وَيَزْدَادُ حَذَرًا مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَزُولُ النَّقْصُ وَيَزْدَادُ شُكْرُهُ لِلَّهِ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَزُولُ النَّقْصُ فَنَظَرْت فَرَجَحَ عِنْدِي عَلَى ثَلْمٍ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 227
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست