responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 17
بِصِفَتِهِ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ تَعَالَى {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13] وَقَالَ تَعَالَى {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] وَالسِّيَاقُ فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَفْظَةَ " مِنْ " الْمُحْتَمِلَةَ لِلتَّبْعِيضِ وَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، فَتَرْكُهَا يُعَيِّنُ الضَّمِيرَ لِلْقُرْآنِ، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمَّا قَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] قَالَ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] فَتَكُونُ " مِنْ " لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي مِثْلِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ قَدْ تَحَدَّاهُمْ فِيهَا بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ التَّحَدِّي غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِعْجَازَ مِنْ جِهَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ فَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ وَبُلُوغِهِ مَبْلَغًا تَقْصُرُ قُوَى الْخَلْقِ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي السُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَحَدِّي بِهِ فِيهَا، وَالثَّانِيَةُ إتْيَانُهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْمُتَحَدَّى بِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَا تُمْتَنَعُ إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ أَرَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى " مَا نَزَّلْنَا " الْمَجْمُوعَ بِالطَّرِيقِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا فَصَحِيحٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ رَدَّدَ بَيْنَ ذَلِكَ وَعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَمَا قُلْنَاهُ أَرْجَحُ، وَيُعَضِّدُهُ أَنَّهُ أَقْرَبُ، وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْأَقْرَبِ أَوْجَبُ، وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَدْ تُحَدُّوا قَبْلَ ذَلِكَ وَظَهَرَ عَجْزُهُمْ عَنْ الْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِثْلِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ سُورَةَ يُونُسَ مَكِّيَّةٌ، فَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مِمَّنْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ أَشَدُّ عَجْزًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ الضَّمِيرُ لِقَوْلِهِ " عَبْدِنَا " فَقَطْ وَهَذَانِ النَّوْعَانِ مِنْ التَّحَدِّي يَشْتَمِلَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، لِأَنَّ التَّحَدِّيَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِبَعْضِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ وَإِلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالتَّحَدِّي بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّسْبَةِ إلَى مِثْلِ الْمُنَزِّلِ، وَإِلَى أَيِّ سُورَةٍ كَانَتْ فَإِنَّ مَنْ يَكْتُبُ لَا يَأْتِي بِهَا فَصَارَ الْإِتْيَانُ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُمْتَنِعٌ كَانَتْ مِنْ كَاتِبٍ قَارِئٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ.
فَظَهَرَ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ؛ ثُمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ " فَأْتُوا " وَالضَّمِيرُ لِلْعَبْدِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: هَذَا صَحِيحٌ وَتَكُونُ " مِنْ " لِلِابْتِدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ احْتِمَالَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مَا نَزَّلْنَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ السُّورَةَ الْمُتَحَدَّى بِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَهَا الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُخَصَّصَ بِمِثْلِ الْمُنَزَّلِ كَمَا فِي سُورَتَيْ هُودٍ وَيُونُسَ فَإِذَا عَلَّقْنَا الضَّمِيرَ هُنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ (فَأْتُوا) وَعَلَّقْنَا الضَّمِيرَ بِالْمُنَزَّلِ كَانُوا قَدْ تَحَدُّوا بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مُطْلَقَةٍ لَيْسَتْ مَوْصُوفَةً وَلَا مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ؛

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 17
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست