responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 104
اللَّهَ فَتَنَهُ أَيْ امْتَحَنَهُ وَاخْتَبَرَهُ هَلْ يَتْرُكُ الْحُكْمَ لِلْعِبَادَةِ أَوْ الْعِبَادَةَ لِلْحُكْمِ؟ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ» فَاسْتِغْفَارُهُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْمَظْنُونَيْنِ، أَعْنِي تَعَلَّقَ الظَّنُّ بِأَحَدِهِمَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 25] فَاحْتَمَلَ الْمَغْفُورُ أَحَدَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَاحْتَمَلَ ثَالِثًا وَهُوَ ظَنُّهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَمْ يُرِدْ فِتْنَتَهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ إظْهَارَ كَرَامَتِهِ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] كَيْفَ يَقْتَضِي رِفْعَةَ قَدْرِهِ وَقَوْلُهُ {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} [ص: 26] يَقْتَضِي ذَلِكَ وَيَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْحُكْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ حَمَلْته حَصَلَ تَبْرِئَةُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِمَّا يَقُولُهُ الْقُصَّاصُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى قِصَّتَهُ فِي سُورَةِ ص أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} [ص: 8] كَانَ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ إشْعَارٌ بِهَضْمِهِمْ جَانِبَهُ فَغَارَ اللَّهُ لِذَلِكَ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَتِهِ وَلَا لَهُمْ مِلْكٌ. وَأَنَّهُمْ جُنْدٌ مَهْزُومُونَ. وَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَمَا قَدْرُ هَؤُلَاءِ؟ {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ص: 17] وَاذْكُرْ مَنْ آتَيْنَاهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ؛ وَهُوَ أَخُوك وَأَنْتَ عِنْدَنَا أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْهُ. وَفِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شَكَّ أَنَّهُ يَفْرَحُ لِإِخْوَتِهِ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الْخَيْرِ كَمَا لَوْ حَصَلَ لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَأَكْثَرَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ رُتْبَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ أَكْمَلُ وَإِذَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ احْتَقَرَ مَا قُرَيْشٌ فِيهِ. وَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي أُوتُوهُ وَافْتَخَرُوا بِهِ لَا شَيْءَ. فَهَذَا وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى ذِكْرِهِ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ فَذَكَرَ قِصَّةَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَوَصْفُهُ بِقَوْلِهِ {ذَا الأَيْدِ} [ص: 17] لِأَنَّ الصَّبْرَ يَحْتَاجُ إلَى أَيْدٍ وَهُوَ الْقُوَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[قَوْله تَعَالَى قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي]
(آيَةٌ أُخْرَى)
قَوْله تَعَالَى {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي} [ص: 35] إلَى قَوْلِهِ {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 40] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَعَانِي، وَالنَّحْوِ، وَالْبَيَانِ، وَالْبَدِيعِ، وَأُصُولِ الدِّينِ، وَالْقِرَاءَاتِ، وَاللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ، وَأُصُولِ الْفِقْهِ فَنَذْكُرُهَا عَلَى تَرْتِيبٍ؛ وَنُنَبِّهُ عَلَى كُلِّ عِلْمٍ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الْأَوَّلُ) : " قَالَ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " أَنَابَ " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً مُفَسِّرًا لِمَا قَالَهُ حِينَ إنَابَتِهِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِأَنَّ عَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ تَجُوزُ لِأَنَّ الْإِنَابَةَ غَيْرُ الْقَوْلِ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْإِنَابَةَ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَهِيَ غَيْرُ الْأَقْوَالِ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ بَيْنَهُمَا كَمَالُ الِاتِّصَالِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ وَلَمْ تُعْطَفْ، وَالضَّمِيرُ فِي " قَالَ " لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
(الثَّانِي) : " رَبِّ " مُنَادَى مُضَافٌ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ وَالْمُضَافُ إلَيْهَا. فَأَمَّا حَذْفُ حَرْفِ النِّدَاءِ مِنْهُ فَجَائِزٌ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ لَفْظًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 104
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست