ذلك، فإن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يمنعه من تلاوة القرآنعجزه عن فهمه بعد أن بذل وُسعه، ولا يعاب بذلك لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " الماهر في القرآن مع السَّفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع في وهو عليه شاقٌّ له أجران ".
رابعاً يجوز للفقير أن يأخذ من الصدقات ما يسد حاجته وحاجة من يعول، ويُسنُّ له أن يدعو بالخير لمن تصدق عليه؟ أمَّا أخْذ المال على أنه أجرة لتلاوة القرآن، أو لكونه وعظهم وذكّرهم، أو إعطاؤه لشخص رجاء بركته، أو جمعه لأشخاص رجاء بركتهم، واستجداءً لدعائهم، فهو غير جائز، ولم يكن ذلك من هدي المسلمين في القرون الثلاثة الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها خير القرون.
خامساً معنى قوله تعالى [قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ] . إن الله تعالى أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بأنه لا يطلب منهم أجراً على تبليغهم ما أُنزل إليه من ربه. ودعوته إياهم إلى التوحيد الخالص وسائر أحكام الإسلام، إنما يقوم بالبلاغ والبيان للأمة، تنفيذاً لأمر الله وطاعته له ابتغاء مرضاته وحده، ورجاء المثوبة والأجر الكريم منه سبحانه دون سواه. وذلك ليُزيل ما قد يكون في نفوس المشركين من ظنون وأوهام كاذبة، من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى اتّباعه فيما شرع الله لهم، ليكتسب بذلك أو ينال رئاسة في قومه، فبيّن لهم أن دعوته إياهم على الحق خالصة لوجه الله الكريم.
وهكذا جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يَسألون الناس أجراً على دعوتهم إياهم، وقد تقدم في الفقرة الأولى من الجواب في حديث عمران بن حصين في التحذير من التكسب بالقرآن وسؤال الناس به. أما السؤال عن عقوبته يوم القيامة بتساقط لحم وجهه فذلك وعيد لكل مَن سأل الناسَ وهو في غير حاجة تضطره إلى المسألة، سواء كان بقراءة القرآن أو بدون قراءته؛ فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم ". وفي رواية عنه " ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم ". متفق عليهما. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من سأل الناس أموالهم تكثُّراً، فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر ". رواه مسلم. فمن سأل الناس بالقرآن، صدق فيه حديث عمران إن كان فقيراً، أما إن كان غنيًّا فقد صدقت فيه هذه الأحاديث كلها، أما لفظ الحديث الذي ذكرته في السؤال فلا نعلم صحته بهذا اللفظ الذي ذكرته. والله أعلم
اللجنة الدائمة
* * *