لا؟ وما معنى الآية الكريمة [قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ] ؟ .
ج أولاً قراءة القرآن عبادة محضة، وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه، والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله، وطلباً للمثوبة عنده، فلا يبتغي بها من المخلوق جزاءً ولا شكوراً، ولهذا لم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القرآن في حفلات أو ولائم، ولم يُؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه، ولم يعرف أيضاً عن أحد منهم أنه أخذ أجرة على تلاوة القرآن، لا في الأفراح ولا في المآتم، بل كانوا يتلون كتاب الله رغبة فيما عند الله سبحانه. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل به، وحذر من سؤال الناس، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل؛ فاسترجع ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤن القرآن يسألون به الناس "، وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعد لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه؛ لحديث أبي سعيد في أخذه قطيعاً من الغنم جُعلاً على شفاء من رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن، فمن أخذ أجراً على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ثانيا القرآن كلام الله تعالى، وفضله على كلام الخلْق كفضل الله على عباده. وهو خير الأذكار وأفضلها، وينبغي لقارئه أن يكون مؤدبا في تلاوته، خاشعاً مخلصاً قلبه لله، محكماً لتلاوته، متدبراً لمعانيه حسب قدرته، وألا يتشاغل عنها بغيرها، وألا يتكلّف ولا يتقعر فيها، وألا يرفع صوته فوق الحاجة.
وينبغي لمن حضر مجلساً يُقرأ فيه القرآن أن ينصت ويستمع للقراءة ويتدبر معانيها، فلا يلغو ولا يتشاغل عنها بالحديث مع غيره، ولا يُشوّش على القارىء ولا على الحاضرين. قال الله تعالى [وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ] .
ثالثاً الناس متفاوتون في أفكارهم وأفهامهم. وكل مكلف عليه أن يعرف من وأحكام الشريعة بقدر ما آتاه الله من الفهم وسعة الوقت، ليعمل به في نفسه ويرشد به غيره، ومن أول ما ينبغي له أن يتفهّمه ويلقي إليه باله ويحضر له قلبه كتاب الله سبحانه، وما عجز عن فهمه بنفسه استعان فيه بالله ثم بالعلماء حسب طاقته ومقدرته، ثم لا حرج عليه بعد