responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 98
بَابِ الْحَيْضِ نَحْوَ نِصْفِ مُجَلَّدٍ.
وَقَالَ بَعْدَ مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ: لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَنْ يَضْجَرَ مِنْ تَكْرِيرِ الصُّوَرِ وَإِعَادَتِهَا فِي الْأَبْوَابِ وَبَسَطَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَسَائِلَ الْحَيْضِ أَبْلَغَ بَسْطٍ وَأَكْمَلُوهُ أَوْضَحَ إيضَاحٍ، وَاعْتَنَوْا بِتَفَارِيعِهِ أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ وَبَالَغُوا فِي تَقْرِيبِ مَسَائِلِهِ بِتَكْثِيرِ الْأَمْثِلَةِ وَتَكْرِيرِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ كُنْت جَمَعْت فِي الْحَيْضِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُجَلَّدًا كَبِيرًا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ اخْتِصَارَهُ وَالْإِتْيَانَ بِمَقَاصِدِهِ وَمَقْصُودِي بِمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْجَرَ مُطَالِعُهُ بِإِطَالَتِهِ فَإِنِّي أَحْرِصُ إنْ كَانَ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ لَا أُطِيلَهُ إلَّا بِمُهِمَّاتٍ وَقَوَاعِدَ وَفَوَائِدَ مَطْلُوبَاتٍ.
وَمَا يَنْشَرِحُ بِهِ قَلْبُ مَنْ لَهُ طَلَبٌ مَلِيحٌ وَقَصْدٌ صَحِيحٌ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ ذَوِي الْمَهَانَةِ وَالْبَطَالَةِ فَإِنَّ مَسَائِلَ الْحَيْضِ يَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا؛ لِعُمُومِ وُقُوعِهَا، وَقَدْ رَأَيْت مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْمَرَّاتِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ وَقَعَتْ فِيهَا لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَوَابِ الصَّحِيحِ فِيهَا إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ الْحُذَّاقِ الْمُعْتَنِينَ بِبَابِ الْحَيْضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيْضَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْبُلُوغِ وَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةِ الْعُدْوَانِ وَغَيْرِهَا وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَا هَذِهِ حَالُهُ، وَقَدْ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ: الْحَيْضُ كِتَابٌ ضَائِعٌ لَمْ يُصَنَّفْ فِيهِ تَصْنِيفٌ يَقُومُ بِحَقِّهِ وَيَشْفِي الْقَلْبَ.
وَأَنَا أَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَجْمَعُهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يَقُومُ بِحَقِّهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ، وَأَنَّهُ لَا تَقَعُ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَتُوجِدُ فِيهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا، لَكِنْ قَدْ يَخْفَى مَوْضِعُهَا عَلَى مَنْ لَا يُكْمِلُ مُطَالَعَتَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ.
وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ حَقٌّ وَاقِعٌ فِيهِ سِيَّمَا عَوِيصُ مَسَائِلِهِ، وَلَقَدْ وَقَعَتْ بَيْنَ فُضَلَاءِ الْيَمَنِ مَبَاحِثُ فِي بَعْضِ عَوِيصَاتِهِ حَتَّى حَجَّ بَعْضُهُمْ مُمْتَحِنًا أَوْ سَائِلًا عَنْهَا، فَأَلَّفْت فِيهَا تَأْلِيفًا نَفِيسًا فَغَلَبَ الْحَسَدُ عَلَى بَعْضِ مَنْ لَا تَوْفِيقَ عِنْدَهُ فَسَرَقَ ذَلِكَ التَّأْلِيفَ قَبْلَ كِتَابَةِ نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْهُ، لَكِنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي تِلْكَ الْعَوِيصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مَا تَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْت فِي هَذَا الشَّرْحِ مَسَائِلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهَا فَعَلَيْك بِهِ، فَإِنَّك لَا تَجِدُ فِي هَذَا الْبَابِ أَجْمَعَ لِرُءُوسِ الْمَسَائِلِ مِنْهُ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَيَسَّرَ إتْمَامَهُ فِي عَافِيَةٍ بِلَا مِحْنَةٍ إنَّهُ أَكْرَمُ كَرِيمٍ وَأَرْحَمُ رَحِيمٍ.
قَوْلُهُ فِي تَعْرِيفِ الْحَيْضِ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ بَطْنِ الرَّحِمِ فِي وَقْتِهِ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ لَا لِعِلَّةٍ) تَبِعَ فِي قَوْلِهِ فِي وَقْتِهِ مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَفِيهِ دَوْرٌ إذْ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِي وَقْتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْحَيْضِ الْمُعَرَّفِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْحَيْضُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى يُعْرَفَ الثَّانِي وَعَكْسُهُ، فَتَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الدَّوْرِ، وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ بِرِعَايَةِ اخْتِلَافِ مَدْلُولَيْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ إذَا عَادَ عَلَى الْحَيْضِ اللُّغَوِيِّ أَفْسَدَ التَّعْرِيفَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْحَيْضَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَشْمَلُ النِّفَاسَ وَغَيْرَهُ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا التَّعْرِيفُ مَانِعًا، فَالْأَوْلَى تَعْرِيفُهُ بِمَا جَرَيْت عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُمْ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِقَوْلِي: وَهُوَ لُغَةً السَّيَلَانُ، ثُمَّ قُلْت: وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ أَيْ يَقْتَضِيه الطَّبْعُ السَّلِيمُ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ.
ثُمَّ بَيَّنْت أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْجِبِلَّةِ إذْ هِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْخِلْقَةُ، أَيْ الدَّمُ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ فَإِنْ قُلْت: يَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الدَّمِ، وَالْمُرَادُ بِأَوْقَاتِ الدَّمِ أَوْقَاتُ الصِّحَّةِ بَعْد تِسْعِ سِنِينَ، فَآلَتْ الْعِبَارَتَانِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ قُلْت: ذَلِكَ مُمْكِنٌ، لَكِنَّهُ خَفِيٌّ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ مَظَانِّ التَّعْرِيفِ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِيضَاحِ مَا أَمْكَنَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ كَشْفُ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَجَنُّبِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ وَخَفِيِّ الدَّلَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ قَوْلَ الْأَزْهَرِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ: دَمٌ يُرْخِيه رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ فَهَذَا مُبَيِّنٌ لِلضَّمِيرِ فِي التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَقِبَهُ فَفِي كَلَامِهِ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ

اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست