responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 243
بِالضَّمِيرِ كَمَا هُوَ وَضْعُ الْخُطَبِ الْمُصَنَّفَات لِلْجُمَعِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: الْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ خَطَبَ بِخُطْبَةٍ مُسْتَوْفِيًا طَرَفَيْهَا سَبَقَ فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا وَذِكْرُ نَعْتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَفَى الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالضَّمِيرِ لِعَوْدِهِ عَلَى مُظْهَرٍ وَهُوَ أَبْلَغُ وَأَحْرَى حِينَئِذٍ مِنْ الْإِظْهَار إذْ الْإِظْهَار يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْإِضْمَار فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَوْدِهِ عَلَى الْمَذْكُورِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّ الْمُرَجَّح عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ اشْتِرَاطُ الْإِظْهَار اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالضَّمِيرِ أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ. وَأَمَّا إذَا خَطَبَ بِخُطْبَةٍ مُخْتَصَرَةٍ لَمْ يَسْبِقْ فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَعَ الْإِظْهَار لِلِاسْمِ وَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبِرْمَاوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِظْهَار فَهُوَ وَهْمٌ وَغُلُوٌّ فِي الْجَرْيِ عَلَى الظَّاهِرِ كَعَادَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ بِمُجَرَّدِ مَفْهُومٍ بَعِيدٍ شَاذٍّ لَوْ قِيلَ بِهِ لَزِمَ مِنْهُ إبْطَالُ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْجُمَعِ فِي أَعْصَارٍ وَقُرُونٍ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ وَذَلِكَ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ الْبَوَارِدِ الَّتِي لَا يُرِيدُهَا الْمُصَنِّفُونَ وَيَسْتَرْسِلُ بِهَا فِي التَّعَلُّق بِهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ جَوَابِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَبِكَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى فُحُولَتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابه مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُوَافِقِينَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ بِالتَّقْلِيدِ بِحُكْمِ الِاعْتِقَادِ الْمَشْهُورِينَ بِالتَّصَانِيفِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ فِيمَا غَبَرَ مِنْ الدُّهُورِ وَالْآحَادِ لَمْ يَشْتَرِطُوا التَّصْرِيحَ بِاسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرًا بَلْ أَطْلَقُوا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلُّوا بِمَا لَا خَفَاءَ فِيهِ قَالَ فِي التَّفْقِيهِ وَقَدْ تَعَجَّبَ بَعْضُ الْمُتَأَخَّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ كَوْنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ وَالْخُطْبَةُ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ عَلَيْهِ. وَالْآيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الصَّلَاةِ تَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا فَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَئِمَّةُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ مُجْمَلَةً وَقَالُوا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الْحَمْدِ وَلَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر.
وَالْمُرَادُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْخَطِيبَ صَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ صَلُّوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ إذْ الْغَرَضُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الْخُطْبَةُ مِنْ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر وَمَنْ صَرَّحَ مِنْ الْعُلَمَاء بِاشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِالِاسْمِ الشَّرِيفِ ظَاهِرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ إذْ يُشْتَرَطُ مَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ ذِكْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ وَقَالَ الْخَطِيبُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْإِطْلَاق عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ ذَكَرَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا نَصُّهُ وَلَا يَكْفِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ إنْ تَقَدَّمَ اسْمُهُ عَلَى الضَّمِيرِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ أَفْتَيْت هَذَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَاَللَّهُمِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَخَرَجَ رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَحْوُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ تَقْلِيد الْبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَفْظُهُ وَهَلْ يَكْفِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظٍ بَدَلِ الظَّاهِرِ الْمُتَّجَهِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّشَهُّدِ اهـ. فَنَقُولُ النَّصُّ فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَالْأَدِلَّةُ مُحْتَمِلَةٌ بِطُرُقِهَا التَّأْوِيلَ وَوَجَدْنَا الْإِجْمَاع السُّكُوتِيَّ مِنْ الْعُلَمَاء فِي الْأَمْصَارِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَعْصَارِ عَلَى تَقْرِيرِ الْخَطِيبِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالضَّمِيرِ عِنْدَ سَبْقِ الذِّكْرِ وَقُرْبِهِ فَإِنْ قِيلَ الْإِتْيَانُ بِالظَّاهِرِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَار يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الِاعْتِنَاءِ قُلْنَا ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْجَانِ عِنْدَ فَوْتِ الذِّكْرِ الْمُنَافِي لِلْفَصَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ. فِي الْخُطْبَةِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى التَّشَهُّدِ فَقَدْ يَخْتَلِفُ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ كَالتَّشَهُّدِ إذْ التَّشَهُّدُ فِي عِبَادَةٍ يُبْطِلُهَا الْكَلَامُ وَلَا كَذَلِكَ الْخُطْبَةُ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِهَا.
فَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ صِحَّةُ جَوَابِ الْإِمَامِ الْأَهْذَلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ مَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَنَفَعَ بِعُلُومِكُمْ

اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 243
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست