responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 137
وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَشَرْطُنَا الِاسْتِقْبَالُ بِكُلِّ بَدَنِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِكُلِّ بَدَنِهِ إلَّا أَنَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ خَارِجٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَضُرُّ طَرَفُ ثَوْبِهِ الْخَارِجُ حَتَّى لَا يَصِحَّ هَذَا الِاسْتِقْبَالُ، أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا بِحَرَكَتِهِ كَمَا فِي السُّجُودِ أَوْ لَا يُفَرَّقَ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ، أَوْ لَا يَضُرُّ طَرَفَ ثَوْبِهِ الْخَارِجُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ بَدَنُهُ خَاصَّةً
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالْبَدَنِ لَا بِالثَّوْبِ، فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُهُ عَنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ مُطْلَقًا؛ فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الثَّوْبَ كَالْبَدَنِ فِي مُحَاذَاةِ هَوَاءِ الْبَيْتِ حَتَّى يَبْطُلَ طَوَافُهُ؛ قُلْت: لَا يُنَافِيه لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالْمُسَامَتَةِ؛ وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْبَدَنِ لَا بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْعِبْرَةُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ بِخُرُوجِ الطَّائِفِ وَمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ عَنْ الْبَيْتِ وَهَوَائِهِ، وَالثَّوْبُ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ عَنْ السَّمْتِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْهَوَاءَ لَمْ يَكْفِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، بِخِلَافِ الطَّائِفِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ دُخُولُ يَدِهِ وَلَوْ فِي هَوَاءِ الْبَيْتِ، وَمَا هُوَ مِنْهُ وَلَوْ ظَنًّا كَالشَّاذَرْوَانِ، أَوْ غَيْرَ ظَنِّيٍّ كَهَوَاءِ حَائِطِ الْحَجَرِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ فَرْقُ مَا بَيْنَ الطَّوَافِ وَالِاسْتِقْبَالِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا - زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا - وَمَنْ تَعَدَّى وَفَعَلَ هَلْ يُهْدَمُ مَا فَعَلَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ؛ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِنَاحِيَةِ الْحِجْرِ وَتَعْلِيَةِ بَابِ الْبَيْتِ وَسَدِّ بَابِهِ الْغَرْبِيِّ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ الْحَجَّاجُ فِيهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي حُرْمَةِ تَغْيِيرِهَا؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا سَأَلَ الرَّشِيدُ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَغْيِيرِ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ.
قَالَ مَالِكٌ: نَشَدْتُك اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَجْعَلْ هَذَا الْبَيْتَ مِلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ، لَا يَشَاءُ أَحَدٌ إلَّا نَقَضَهُ وَبَنَاهُ؛ فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ. وَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ هَذَا مِنْ مَالِكٍ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ بِهِ؛ فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ تَغْيِيرِ بِنَائِهَا؛ بَلْ نُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرَادَ هَدْمَ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ - لَمَّا بَلَغَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ هُوَ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا حِدْثَانُ قُرَيْشٍ بِكُفْرٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَجَعَلْتهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ، فَمَنَعَهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ ذَلِكَ نَظِيرُ مَنْعِ مَالِكٍ الرَّشِيدَ.
وَمَنْ تَعَدَّى وَزَادَ فِي الطُّولِ، أَوْ الْعَرْضِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَيَسَّرَ هَدْمُ مَا زَادَهُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ وَلَا إخْلَالٍ بِبِنَائِهَا الْأَوَّلِ وَجَبَ وَإِلَّا امْتَنَعَ؛ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي امْتِنَاعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَغْيِيرِ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ.
وَفِي مُفْهِمِ الْقُرْطُبِيِّ: مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ صَوَابًا، وَقَبَّحَ اللَّهُ الْحَجَّاجَ وَعَبْدَ الْمَلِكِ؛ لَقَدْ جَهِلَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ - حِينَ بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ -: لَوْ سَمِعْت ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُهْدَمَ لَتَرَكْته عَلَى بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا بِالتَّثَبُّتِ فِي السُّؤَالِ وَلَمْ يَفْعَلْ فَاسْتَعْجَلَ، فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَمُجَازِيهِ، وَلَقَدْ اجْتَرَأَ عَلَى بَيْتِ اللَّهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ اهـ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَ أَحَبَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّوَجُّهَ لِلْكَعْبَةِ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالتَّوَجُّهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَعَ أَنَّهُ يَجِبُ الرِّضَا بِالْمَأْمُورِ وَمَحَبَّتُهُ؛ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ الدُّعَاءُ بِتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا أَحَبَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِمَصَالِحَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ؛ وَهِيَ كَوْنُهَا قِبْلَةَ أَبِيهِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ - وَكَوْنُ الْعَرَبِ يُعَظِّمُونَهَا؛ فَرَجَا إسْلَامَهُمْ بِهَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَوْنُ الصَّلَاةِ إلَيْهَا أَفْضَلَ، عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ السُّبْكِيّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا أَطْوَلُ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ التَّوَجُّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكُلَّمَا كَانَ طَلَبُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ؛ وَلِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالنَّاسِخُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْسُوخِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي مَحَبَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّوَجُّهَ إلَيْهَا قَبْلَ وُجُوبِهِ وَنَسْخِهِ لِغَيْرِهِ، فَالْأَحْسَنُ: الْجَوَابُ الثَّانِي، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يُقَالَ: لِمَ لَا. أَحَبَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ

اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 137
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست