responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 126
ذَلِكَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَخْذًا مِنْ السُّنَّةِ؛ أَنَّ الْأَكْمَلَ فِي الصُّبْحِ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ الْمَحْصُورِينَ بِشُرُوطِهِ تَطْوِيلُهَا عَلَى سَائِرِ الْخَمْسِ، وَمَا ذَكَرْته لَا يَتَأَتَّى مَعَ ذَلِكَ؛ قُلْت: كَلَامُنَا أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ فِي حِكْمَةِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا التَّطْوِيلُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالتَّطْوِيلُ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَهِيَ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ فِي هَذَا السُّؤَالِ؛ وَهُوَ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ عَلَى أَنَّ لَهُ حِكْمَةً ظَاهِرَةً هِيَ أَنَّ الْقَلْبَ لَمْ يَتِمَّ شَغْلُهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ خَالٍ مِنْ سَائِرِ الْأَشْغَالِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ قُرْبِ الْعَهْدِ بَيْنَ يَقِظَتِهِ مِنْ النَّوْمِ وَبَيْنَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي هَذَا الزَّمَنِ لَمْ يُعَانِ مِنْ الِاشْتِغَالِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ عَمَّا يُوَجِّهُهُ إلَيْهِ، فَكَانَتْ الْقَابِلِيَّةُ فِيهِ هُنَا إلَى التَّطْوِيلِ مُتَوَفِّرَةً، بِخِلَافِهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهُ عَانَى الِاشْتِغَالَ وَبَاشَرَهَا وَارْتَبَكَ فِيهَا؛ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ مِنْ الْفَرَاغِ مَا يَتِمُّ لَهُ فِي الصُّبْحِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ تَطْوِيلُ غَيْرِ الصُّبْحِ مِثْلُ مَا طُلِبَ مِنْهُ تَطْوِيلُهَا.
وَمِنْ الْحِكَمِ فِي جَعْلِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي وَقْتِهَا الْمَخْصُوصِ؛ أَنَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَحْوِ نِصْفِ النَّهَارِ الْمُبْتَدِئِ أَوَّلُهُ بِرَكْعَتَيْنِ لِلْحِكْمَةِ السَّابِقَةِ فَضُوعِفَتَا بِأَقَلِّ مَرَاتِبِ التَّضْعِيفِ - وَهُوَ مَرَّةٌ -؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُكَفِّرًا لِمَا وَقَعَ مِنْ الْهَفَوَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ مِنْ انْقِضَاءِ الصُّبْحِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الظُّهْرِ وَلَمْ يُضَاعَفَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَبْنَى هَذَا الدِّينِ عَلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ مَا أَمْكَنَ، فَحَيْثُ أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِمَرْتَبَةٍ لَمْ يُنْتَقَلْ عَنْهَا إلَى أَشَقَّ مِنْهَا، وَقَدْ عُلِمَ الِاكْتِفَاءُ بِتَضْعِيفِ الثِّنْتَيْنِ مَرَّةً حَتَّى يَصِيرَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَافِيَةٌ فِيمَا قُصِدَتْ الصَّلَاةُ لَهُ مِنْ تَكْفِيرِ الزَّلَّاتِ تَارَةً وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ أُخْرَى، وَأَيْضًا فَالصُّبْحُ أَوَّلُ رُبْعِ النَّهَارِ الْأَوَّلِ، وَالظُّهْرُ آخِرُ رُبْعِ النَّهَارِ الثَّانِي تَقْرِيبًا، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الظُّهْرُ ضِعْفَ عَدَدِ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّهَا خَاتِمَةُ رُبْعِ النَّهَارِ فَتَكَرَّرَ فِيهَا الرُّبْعُ مَرَّتَيْنِ.
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرُّبْعَ الْأَوَّلَ اُبْتُدِئَ بِرَكْعَتَيْنِ فَلْيُخْتَمْ الرُّبْعُ الثَّانِي بِأَرْبَعٍ؛ نَظَرًا إلَى اشْتِمَالِ هَذَا الْخَتْمِ عَلَى ذَيْنِك الرُّبْعَيْنِ تَقْدِيرًا. وَأُخِّرَتْ الظُّهْرُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ؛ لِتَقَعَ خَاتِمَةَ هَذَا النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّهَارِ. وَالْخَوَاتِيمُ يُحْتَاطُ لَهَا؛ لِأَنَّ بِهَا قِوَامَ الْأَشْيَاءِ، وَعَلَيْهَا مَدَارُ حَقِيقَتِهَا، فَمِنْ ثَمَّ زِيدَ فِي عَدَدِهَا ضِعْفُ مَا بِهِ الِابْتِدَاءُ؛ إشَارَةً لِهَذَا الِاعْتِنَاءِ بِالْخَاتِمَةِ، وَلَمْ يُجْعَلْ خَاتِمَةُ رُبْعِ النَّهَارِ الْأَوَّلِ وَاجِبًا اكْتِفَاءً بِمَا وَقَعَ ابْتِدَاؤُهُ بِهِ مَعَ تَمَامِ التَّفَرُّغِ وَالْإِقْبَالِ. فَكَانَ تَمَيُّزُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا عَدَاهُ قَائِمًا مَقَامَ خَاتِمَةِ هَذَا الرُّبْعِ، عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهُ خَاتِمَةً لَكِنْ مَنْدُوبَةً وَهِيَ الضُّحَى؛ فَإِنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ إذَا مَضَى رُبْعُ النَّهَارِ؛ حَتَّى لَا يَخْلُوَ خَتْمُ كُلِّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ عَنْ صَلَاةٍ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا الرُّبْعِ وَالرُّبْعِ الثَّانِي وَالرُّبْعِ الثَّالِثِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ خُتِمَ بِصَلَاةٍ وَاجِبَةٍ إذْ الظُّهْرُ آخِرُ الرُّبْعِ الثَّانِي وَالْعَصْرُ آخِرُ الرُّبْعِ الثَّالِثِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا؛ أَنَّ الْعَصْرَ لَمَّا كَانَتْ الْوُسْطَى وَكَانَ فِيهَا مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يَفُوقُ الصُّبْحَ، وَكَانَتْ مِثْلَهَا فِي أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا أَوَّلُ رُبْعٍ كَانَتْ غَنِيَّةً عَنْ أَنْ تَحْتَاجَ لِخَاتِمَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّبْعَ الْأَوَّلَ لَمَّا اُبْتُدِئَ بِالصُّبْحِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى خَاتِمَةٍ، فَكَذَلِكَ الرُّبْعُ الْأَخِيرُ لَمَّا اُبْتُدِئَ بِالْعَصْرِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى خَاتِمَةٍ. وَلَمَّا تَرَاخَتْ الصُّبْحُ عَنْ الْعَصْرِ فِي الْفَضْلِ نُدِبَ لِرُبْعِهَا خَاتِمَةٌ وَهِيَ الضُّحَى، بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْدَبْ لِرُبْعِهَا خَاتِمَةٌ إشْعَارًا بِأَنَّهَا غَنِيَّةٌ عَنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى جَبْرِ غَيْرِهَا لَمَّا ابْتَدَأَتْ بِهِ، بَلْ زِيدَ فِي الْإِشْعَارِ بِهَذَا الِاسْتِغْنَاءِ؛ فَحَرُمَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ رُبْعِهَا؛ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْكَامِلَ قَدْ يَمْنَعُ النَّاقِصَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ مَعَهُ فِي مَرْتَبَتِهِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْكَامِلِ فَإِنَّ النَّاقِصَ قَدْ يَجْتَمِعُ بِهِ وَقَدْ يَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بِهِ؛ وَبِهَذَا ظَهَرَتْ الْحِكْمَةُ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ مِنْ فِعْلِ الْعَصْرِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَهِيَ الْمَغْرِبُ، وَلَمْ تَمْتَدَّ فِي الصُّبْحِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا - وَهِيَ الظُّهْرُ - بَلْ انْقَضَى وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ كَرُمْحٍ، وَشُرِعَ لَهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ التَّطَوُّعُ بِالضُّحَى جَبْرًا لِمَا عَسَاهُ لَمْ يَنْجَبِرْ بِالصُّبْحِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ الْعَصْرُ.
وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَمِنْ الْحِكَمِ فِي جَعْلِ الْعَصْرِ أَرْبَعًا أَيْضًا؛ أَنَّهَا آخِرُ نَحْوِ الرُّبْعِ الثَّالِثِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَاتِمَةُ النَّهَارِ.
فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ أَيْضًا عَلَى رُبْعَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا

اسم الکتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى المؤلف : الهيتمي، ابن حجر    الجزء : 1  صفحة : 126
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست