responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 273
يُضْرَبَ مَثَلًا لِآحَادِ النَّاسِ وَلَمْ أَكُنْ عَرَفْتُ مَنْ هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ، فَبَلَغَنِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ الشَّيْخُ شمس الدين الحمصاني إِمَامُ الْجَامِعِ الطُّولُونِيِّ، وَشَيْخُ الْقُرَّاءِ، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ فِي اعْتِقَادِهِ، فَقُلْتُ: مِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ تُقَالُ عَثْرَتُهُ، وَتُغْفَرُ زَلَّتُهُ، وَلَا يُعَزَّرُ لِهَفْوَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ.
وَكَتَبْتُ ثَانِيًا بِذَلِكَ، فَبَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا اسْتَنْكَرَ مِنِّي هَذَا الْكَلَامَ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَثْرَةٌ وَلَا مَلَامٌ، وَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَاحِ الْمُطْلَقِ لَا ذَنْبَ فِيهِ وَلَا آثَامَ، وَاسْتَفْتَى عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَاقِعَةُ الْحَالِ فَخَرَّجُوهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عياض فِي مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ؛ لِأَجْلِ ذِكْرِ لَفْظِ الِاسْتِدْلَالِ فِي الْجَوَابِ وَالسُّؤَالِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَشَرَّبَ قُلُوبُ الْعَوَامِّ هَذَا الْكَلَامَ، فَيُكْثِرُوا مِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُجَادَلَاتِ وَالْخِصَامِ، وَيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ عِبَارَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ؛ فَيُؤَدِّيهِمْ إِلَى أَنْ يَمْرُقُوا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَوَضَعْتُ هَذِهِ الْكُرَّاسَةَ؛ نُصْحًا لِلدِّينِ وَإِرْشَادًا لِلْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَامُ.
وَلِنَبْدَأْ بِالْفَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عياض فِي الشِّفَا فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ جَمَعَ فِيهِ فَأَوْعَى، وَحَرَّرَ فَاسْتَوْفَى، قَالَ: فَصْلٌ الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا، وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا وَلَا سَبًّا، وَلَكِنَّهُ يَنْزِعُ بِذِكْرِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ، أَوْ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ، عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالْحُجَّةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ، أَوْ عِنْدَ هَضِيمَةٍ نَالَتْهُ، أَوْ غَضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ، لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيقِ، بَلْ عَلَى قَصْدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْقِيرِ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ قَصْدِ الْهَزْلِ وَالتَّنْذِيرِ بِقَوْلِهِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ قِيلَ فِي السُّوءِ فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ، وَإِنْ كُذِّبْتُ فَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ، أَوْ إِنْ أَذْنَبْتُ فَقَدْ أَذْنَبُوا، وَأَنَا أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ، أَوْ قَدْ صَبَرْتُ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ، أَوْ كَصَبْرِ أَيُّوبَ، أَوْ قَدْ صَبَرَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَى عِدَاهُ، وَحَلُمَ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا صَبَرْتُ، وَكَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي:
أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَهَا اللَّهُ ... غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودَ
وَنَحْوِهِ مِنْ أَشْعَارِ الْمُتَعَجْرِفِينَ فِي الْقَوْلِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْكَلَامِ، كَقَوْلِ الْمَعَرِّيِّ:
كَنْتُ مُوسَى وَافَتْهُ بِنْتُ شُعَيْبٍ ... غَيْرَ أَنْ لَيْسَ فِيكُمَا مِنْ فَقِيرِ.
عَلَى أَنَّ آخِرَ الْبَيْتِ شَدِيدٌ، وَدَاخِلٌ فِي بَابِ الْإِزْرَاءِ وَالتَّحْقِيرِ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَفْضِيلِ حَالِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
لَوْلَا انْقِطَاعُ الْوَحْيِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... قُلْنَا مُحَمَّدُ مِنْ أَبِيهِ بَدِيلُ

اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 273
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست