responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 269
عِنْدِي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ خَارِجٌ عَمَّا رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ، وَانْظُرْ كَيْفَ بَنَى أَصْلَهُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ لَا يَخْلُو مِنْ نَفَقَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهُمُ الشَّيْخَانِ، فَعَرَفَ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ هُوَ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ بِوَرَقَتَيْنِ: فَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَهُ السَّيِّدُ مَنْزِلًا لَيْلًا وَنَهَارًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَكَانَ السَّيِّدُ مُتَعَدِّيًا بِمَنْعِهَا مِنْهُ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَهُ لَيْلًا، وَاسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا لَمْ يَتَعَدَّ، وَفِي نَفَقَتِهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ المروزي - وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُهَا، وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ بِقِسْطِهَا مِنْ زَمَانِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَهُوَ مَا قَابَلَ الْعَشَاءَ دُونَ الْغَدَاءِ انْتَهَى.
وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ: إِنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَتْ عِبَارَتُهُ، ثُمَّ تَأَمَّلْ عِبَارَةَ الْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقَةَ فِي الْحُرَّةِ، تَجِدْهُ لَمْ يُوجِبْ لَهَا النَّفَقَةَ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ، إِنَّمَا أَوْجَبَ لَهَا نَفَقَةً زَمَنَ الِاسْتِمْتَاعِ خَاصَّةً، لِقَوْلِهِ: وَيَصِيرُ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا عَفْوًا عَنِ النُّقْلَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا إِذَا اسْتَمْتَعَ فِي يَوْمٍ نَفَقَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلِّهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا فِي مَنْزِلِهَا أَيَّامًا وَتَرَكَ ذَلِكَ أَيَّامًا، أَوْ غَابَ عَنْهَا فِي الْبَلَدِ، أَوْ فِي سَفَرٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ نَفَقَةَ أَيَّامِ الْغَيْبَةِ وَلَا أَيَّامَ تَرْكِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ لَاسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا، وَهَذَا أَغْلَظُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَاوَرْدِيِّ وَهِيَ كَالصَّرِيحَةِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا فِي يَوْمٍ لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلِّهِ بَلْ بِالْقِسْطِ، فَإِنِ اسْتَمْتَعَ فِي النَّهَارِ لَزِمَهُ غَدَاؤُهَا دُونَ الْعَشَاءِ، أَوْ فِي اللَّيْلِ لَزِمَهُ عَشَاؤُهَا دُونَ الْغَدَاءِ، كَمَا هُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْأَمَةِ، وَهَذَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا عَفْوًا عَنِ النُّقْلَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَيْ: فِي زَمَنِ الِاسْتِمْتَاعِ خَاصَّةً، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا نَفَقَتُهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، وَالنَّفَقَةَ عِنْدَهُ تَقْسِيطٌ، فَيَجِبُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الزَّمَنَ فَقَطْ إِمَّا الْغَدَاءُ أَوِ الْعَشَاءُ، وَتَبْقَى سَائِرُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ غَيْرُ عَفْوٍ فَلَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ تَحْتَمِلُهُ عِبَارَتُهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَصْلُ الْعِبَارَةِ مَعْنًى ثَالِثًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ الَّتِي قَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ إِلَّا فِي بَيْتِي، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْ سَلَّمَتْ فِي مَنْزِلِهِ، وَبَذَلَتْ لَهُ الطَّاعَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، أَوْ يُسَافِرَ بِهَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَامْتَنَعَتْ، فَإِنَّهُ مَا دَامَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ الْأَوَّلِ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ اسْتِصْحَابًا لِلطَّاعَةِ السَّابِقَةِ، وَالتَّسْلِيمِ السَّابِقِ مَعَ تَقْوِيَتِهِ بِالِاسْتِمْتَاعِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ إِلَّا فِي بَيْتِي فَإِنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ قَهْرِهِ وَطَاعَتِهِ أَصْلًا، فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا نَفَقَةً، بَلْ هُوَ فِي

اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 269
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست