responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 223
وَقَدِ ادَّعَى الشَّيْخُ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ، وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ: (الْمَوْرِدُ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَمَلِ الْمَوْلِدِ) ، وَأَنَا أَسُوقُهُ هُنَا بِرُمَّتِهِ وَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ حَرْفًا حَرْفًا.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَيَّدَنَا بِالْهِدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّينِ وَيَسَّرَ لَنَا اقْتِفَاءَ أَثَرِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، حَتَّى امْتَلَأَتْ قُلُوبُنَا بِأَنْوَارِ عِلْمِ الشَّرْعِ وَقَوَاطِعِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَطَهَّرَ سَرَائِرَنَا مِنْ حَدَثِ الْحَوَادِثِ وَالِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ، أَحْمَدُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ أَنْوَارِ الْيَقِينِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْدَاهُ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْحَبْلِ الْمَتِينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرَاتِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَاةً دَائِمَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ تَكَرَّرَ سُؤَالُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُبَارَكِينَ عَنِ الِاجْتِمَاعِ الَّذِي يَعْمَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَيُسَمُّونَهُ الْمَوْلِدَ، هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ هُوَ بِدْعَةٌ وَحَدَثٌ فِي الدِّينِ؟ وَقَصَدُوا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ مُبَيَّنًا وَالْإِيضَاحَ عَنْهُ مُعَيَّنًا، فَقُلْتُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: لَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْمَوْلِدِ أَصْلًا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا يُنْقَلُ عَمَلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ هُمُ الْقُدْوَةُ فِي الدِّينِ الْمُتَمَسِّكُونَ بِآثَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ أَحْدَثَهَا الْبَطَّالُونَ وَشَهْوَةُ نَفْسٍ اعْتَنَى بِهَا الْأَكَّالُونَ، بِدَلِيلِ أَنَّا إِذَا أَدَرْنَا عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ قُلْنَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ مُحَرَّمًا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا وَلَا مَنْدُوبًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَنْدُوبِ مَا طَلَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ عَلَى تَرْكِهِ، وَهَذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّرْعُ وَلَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَلَا التَّابِعُونَ الْمُتَدَيِّنُونَ فِيمَا عَلِمْتُ، وَهَذَا جَوَابِي عَنْهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ عَنْهُ سُئِلْتُ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاعَ فِي الدِّينِ لَيْسَ مُبَاحًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلَيْنِ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْمَلَهُ رَجُلٌ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ لِأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعِيَالِهِ، لَا يُجَاوِزُونَ فِي ذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ عَلَى أَكْلِ الطَّعَامِ وَلَا يَقْتَرِفُونَ شَيْئًا مِنَ الْآثَامِ، وَهَذَا الَّذِي وَصَفْنَاهُ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَشَنَاعَةٌ؛ إِذْ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الطَّاعَةِ الَّذِينَ هُمْ فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءُ الْأَنَامِ سُرُجُ الْأَزْمِنَةِ وَزَيْنُ الْأَمْكِنَةِ.

اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 223
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست