responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 89
[الْفَصْلُ الثَّامِنُ صِفَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ]
فِي صِفَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَاللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ] اعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ، فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ: أَنَا أُخْبِرُكَ أَيُّهَا الْقَاضِي بِأَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا عَنْ يَقِينٍ. فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْوَعْدِ.
وَلَوْ قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا. كَانَ كَاذِبًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَقَدَّمَ الْإِخْبَارُ مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْكَذِبِ لَا يَجُوزُ، فَالْمُسْتَقْبَلُ وَعْدٌ وَالْمَاضِي كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُقْتَضِي لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ: أَنَا مُخْبِرُكَ أَيُّهَا الْقَاضِي بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ، فَالْخَبَرُ كَيْفَ تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ: وَأَمَّا شَرْطُهُ الزَّائِدُ فَنَعْنِي بِهِ شَرْطَ الْقَبُولِ وَالْجَوَازِ وَأَنَّهُ أُمُورٌ أَحَدُهُمَا: لَفْظُ أَشْهَدُ؛ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَعْلَمُ، أَوْ: أَتَيَقَّنُ. لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَقُلْ: أَشْهَدُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً مَا لَمْ يَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ لَفْظُ أَشْهَدُ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ خَبَرًا عَنْ الْمُنَافِقِينَ {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] وَبِهَذَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ يَكُونُ حَالِفًا بِاَللَّهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، كَمَا إذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، انْتَهَى. وَهَذَا مِنْ شُرُوطِهِ الزَّائِدَةِ الَّتِي وَعَدْنَاكَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا.
وَثَانِيهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُمَا بِجَرِّ غُنْمٍ أَوْ دَفْعِ غُرْمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَثَالِثُهَا: كَوْنُ الشَّهَادَةِ صِدْقًا عِنْدَ الْقَاضِي بِدَلِيلِهِ.
وَرَابِعُهَا: أَنْ تَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ.
وَخَامِسُهَا: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا دَعْوَى صَحِيحَةٌ.
وَسَادِسُهَا: أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى مَعْنًى.
وَسَابِعُهَا: أَنْ تَقَعَ لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ.
وَثَامِنُهَا: الِاتِّفَاقُ فِي لَفْظِ الشَّهَادَةِ.
وَتَاسِعُهَا: عَدَدُ أَرْبَعَةٍ فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا.
وَعَاشِرُهَا: الذُّكُورَةُ فِي الْعُقُوبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ؟ فَقَالَ: حَضَرْتُ عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ بِكَذَا، أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا، أَوْ شَهِدْتُ بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ، لَا يَكُونُ أَدَاءَ شَهَادَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا مُخْبِرٌ عَنْ أَمْرٍ تَقَدَّمَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا مُنِعَ مِنْ الشَّهَادَةِ بِهِ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ حُدُوثِ رِيبَةٍ لِلشَّاهِدِ تَمْنَعُ الْأَدَاءَ، فَلَا يَجُوزُ لِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الِاعْتِمَادُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا، وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ.
فَإِذَا قَالَ الشَّاهِدُ: أَشْهَدُ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْقَاضِي. كَانَ إنْشَاءً، وَلَوْ قَالَ: شَهِدْتُ. لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً، وَعَكْسُهُ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ: أَبِيعُكَ. لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ بَلْ إخْبَارًا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ بَلْ هُوَ وَعْدٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ. كَانَ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ، فَالْإِنْشَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِالْمُضَارِعِ وَفِي الْعُقُودِ بِالْمَاضِي وَفِي الطَّلَاقِ بِالْمَاضِي، وَاسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَ " أَنْتَ حُرٌّ " وَلَا يَقَعُ الْإِنْشَاءُ فِي الْبَيْعِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَةِ نَحْوَ " أَنَا شَاهِدٌ عِنْدَكَ بِكَذَا " أَوْ " أَنَا بَائِعك بِكَذَا " فَهَذَا لَيْسَ إنْشَاءً.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَسَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الْوَضْعُ الْعُرْفِيُّ، فَمَا وَضَعَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لِلْإِنْشَاءِ كَانَ إنْشَاءً، وَمَا لَا فَلَا، فَإِنْ اُتُّفِقَ أَنَّ الْعَوَائِدَ تَغَيَّرَتْ وَصَارَ الْمَاضِي مَوْضِعًا لِإِنْشَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْمُضَارِعُ لِإِنْشَاءِ الْعُقُودِ جَازَ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا صَارَ مَوْضِعًا لِلْإِنْشَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعُرْفِ الْأَوَّلِ.
(فَصْلٌ) :
وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْرِيقٌ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَالشَّهَادَةِ بِالصُّدُورِ، فَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ هَذِهِ مَنْكُوحَةُ فُلَانٍ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ.
وَلَوْ قَالُوا: نَشْهَدُ بِصُدُورِ الْوَقْفِ أَوْ بِصُدُورِ الْبَيْعِ. لَمْ يُحْكَمْ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ لِاحْتِمَالِ تَغْيِيرِ تِلْكَ الْعُقُودِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْوَقْفَ أَوْ صَدَرَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْمَبِيعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ. وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ قَبْلَ هَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ ذَلِكَ.

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 89
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست