responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 28
ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى أَحْسَنِ ذَلِكَ فَيَعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشُورَةَ بِالْكِتَابِ مِنْ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ بِالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ، فَإِنْ وَافَقَ رَأْيَهُ رَأْيُهُمْ يَقْضِي بِهِ، وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ رَأْيُهُمْ قَضَى بِرَأْيِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ أَصْوَبُ عِنْدَهُ وَرَأْيَ غَيْرِهِ لَيْسَ بِصَوَابٍ فَيَقْضِي بِمَا عِنْدَهُ لَا بِمَا عِنْدَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى الْقَاضِي شَيْءٌ فَشَاوَرَ فِيهِ فَقِيهًا يَنْظُرُ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَفْتِيَ فَيَأْخُذَ بِقَوْلِ الْمُفْتِي، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَرَأْيُهُ خِلَافُ رَأْيِ هَذَا الْفَقِيهِ يَقْضِي بِرَأْيِهِ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ صَوَابٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ أُمِرَ بِالْمَشُورَةِ فِي الِابْتِدَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَنْضَمَّ رَأْيُ غَيْرِهِ إلَى رَأْيِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ فَلَا يَدَعْ رَأْيَهُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ، فَإِنْ قَضَى بِرَأْيِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ قَضَى بِرَأْيِ الْفَقِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا: لَا يَنْفُذُ حَتَّى كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْقُضَ قَضَاءَهُ " اُنْظُرْ الْمُحِيطَ.

[فَصْلٌ الْمُقَلِّدِ وَالْمُفْتِي يَأْخُذُ بِقَوْلٍ يُنْسَبُ إلَى إمَامِهِ]
(فَصْلٌ) :
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَتْ فَتْوَاهُ نَقْلًا لِمَذْهَبِ إمَامِهِ إذَا اعْتَمَدَ فِي نَقْلِهِ عَلَى الْكُتُبِ أَنْ يَعْتَمِدَ إلَّا عَلَى كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ، وَجَازَ ذَلِكَ، كَمَا جَازَ اعْتِمَادُ الرَّاوِي عَلَى كِتَابِهِ، وَاعْتِمَادُ الْمُسْتَفْتِي عَلَى مَا يَكْتُبُهُ الْمُفْتِي وَيَحْصُلُ لَهُ الثِّقَةُ بِمَا يَجِدُهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهَا بِأَنْ يَرَاهُ كَلَامًا مُنْتَظِمًا وَهُوَ خَبِيرٌ فَطِنٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مَوَاقِعُ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّغْيِيرِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَثِقْ بِصِحَّتِهِ نُظِرَ، فَإِنْ وَجَدَهُ مُوَافِقًا لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَهْلٌ لِيُخَرِّجَ مِثْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْكِيَهُ عَنْ إمَامِهِ فَلَا يَقُولُ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ مَثَلًا كَذَا، وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا وَكَذَا، وَلْيَقُلْ: وَجَدْت عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ بَلَغَنِي عَنْ الشَّافِعِيِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِيُخَرِّجَ مِثْلُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِلَفْظٍ جَازِمٍ، فَإِنَّ سَبِيلَ مِثْلِهِ النَّقْلُ الْمَحْضُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يُجَوِّزُ لَهُ مِثْلَ مَا جَازَ لِلْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي غَيْرِ مَقَامِ الْفَتْوَى مُفْصِحًا بِحَالِهِ فِيهِ فَيَقُولُ: وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ أَوْ مِنْ كِتَابِ فُلَانٍ لَا أَعْرِفُ صِحَّتَهَا، أَوْ وَجَدْت عَنْ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ كَذَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتٍ.
وَسُئِلَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الْمُقَلِّدِ وَالْمُفْتِي يَأْخُذُ بِقَوْلٍ يُنْسَبُ إلَى إمَامِهِ وَلَا يَرْوِيهِ هَذَا الْمُفْتِي عَنْ صَاحِبِ مَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا حَفِظَهُ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَهِيَ غَيْرُ مَرْوِيَّةٍ وَلَا مُسْنَدَةٍ إلَى مُؤَلِّفِهَا، فَهَلْ يَسُوغُ لِمَنْ هَذِهِ حَالَتُهُ الْفُتْيَا أَمْ لَا؟ وَهُوَ سُؤَالٌ طَوِيلٌ فِيهِ مَسَائِلُ عَدِيدَةٌ.
فَأَجَابَ عَنْ هَذَا الْفَصْلِ بِأَنْ قَالَ: وَأَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى كُتُبِ الْفِقْهِ الصَّحِيحَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَصْرِ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثِّقَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِهَا كَمَا تَحْصُلُ بِالرِّوَايَةِ، وَلِذَلِكَ قَدْ اعْتَمَدَ النَّاسُ عَلَى الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالطِّبِّ وَسَائِرِ الْعُلُومِ لِحُصُولِ الثِّقَةِ بِذَلِكَ وَبُعْدِ التَّدْلِيسِ.
وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى الْخَطَإِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْخَطَإِ مِنْهُمْ، وَلَوْلَا جَوَازُ اعْتِقَادِ ذَلِكَ لَتَعَطَّلَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ رَجَعَ الشَّرْعُ إلَى أَقْوَالِ الْأَطِبَّاءِ فِي صُوَرٍ، وَلَيْسَتْ كُتُبُهُمْ فِي الْأَصْلِ إلَّا عَنْ قَوْمٍ كُفَّارٍ، وَلَكِنْ لَمَّا بَعُدَ التَّدْلِيسُ فِيهَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهَا كَمَا اُعْتُمِدَ فِي اللُّغَةِ عَلَى أَشْعَارِ كُفَّارٍ مِنْ الْعَرَبِ لِبُعْدِ التَّدْلِيسِ فِيهَا.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: قَلَّمَا وَجَدْت التَّزْوِيرَ عَلَى الْمُفْتِي، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَرَسَ أَمْرَ الدِّينِ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمِثْلُ هَذَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَحْكَامِ فَقَالَ: كَانَ الْأَصْلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْفُتْيَا إلَّا بِمَا يَرْوِيه الْعَدْلُ عَنْ الْعَدْلِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ الْمُفْتِي حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُفْتِي كَمَا تَصِحُّ الْأَحَادِيثُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِدِينِ اللَّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ غَيْرُ ذَلِكَ،

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست