responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 27
فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَالٌ وَحَرَامٌ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ مِنْ بَابِ التَّنَاقُضِ، فَيَجِبُ تَنْزِيهُ الشَّرْعِ عَنْ التَّنَاقُضِ وَالْخَلَلِ مَتَى كَانَ ثَابِتًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِمَصْلَحَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَتِلْكَ الْمَصْلَحَةُ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْآخَرِ ظَاهِرًا يَكُونُ تَنَاقُضًا فَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ فَلَا وَعِنْدَ التَّنْصِيصِ بِالنَّقِيضَيْنِ فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ يُعْرَفُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ اخْتِلَافُ الْمَصْلَحَةِ.
فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ: لَا تَجُوزُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ شَخْصٍ آخَرَ مِثْلِهِ فِي الْحَالِ، فَالْمَصْلَحَةُ فِي حَقِّهِ ظَاهِرَةٌ وَلَا عِلْمَ لَنَا بِمَصْلَحَةٍ بَاطِنَةٍ يَكُونُ تَنَاقُضًا مِنْ الشَّرْعِ.
ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ فَصْلَيْنِ [أَحَدُهُمَا] إذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي شَيْءٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُخَالِفَهُمْ بِرَأْيِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: أَحْفَظُ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ مِنْ الْمَنْسُوخِ، فَإِذَا كَانَ يَحْفَظُ مِنْ الْمَنْسُوخِ هَذَا الْقَدْرَ فَمَا ظَنُّك بِالنَّاسِخِ، وَكَانَ صَاحِبَ فِقْهٍ وَمَعْنًى أَيْضًا.
وَمُحَمَّدٌ صَاحِبُ قَرِيحَةٍ يَعْرِفُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ وَصَاحِبَ فِقْهٍ وَمَعْنًى، وَلِهَذَا قَلَّ رُجُوعُهُ فِي الْمَسَائِلِ، وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَحَادِيثِ أَيْضًا.
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ مُقَدَّمًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، إلَّا أَنَّهُ قَلَّتْ رِوَايَتُهُ لِمَذْهَبٍ خَاصٍّ لَهُ فِي بَابِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا تَحِلُّ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ يَحْفَظُ الْحَدِيثَ مِنْ حِينَ سَمِعَ إلَى أَنْ يَرْوِيَ.
[وَالثَّانِي] إذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ التَّابِعِينَ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى.
وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الشُّيُوخِ: إذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَفِيهِمَا أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي جَانِبٍ وَهُمَا فِي جَانِبٍ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ يَتَخَيَّرُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ يَسْتَفْتِ غَيْرَهُ فَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ.
وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لَهُ: الْجَاهِلُ بِالْعِلْمِ إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِقَوْلِ أَحَدٍ أَخَذَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَقِيهَانِ كِلَاهُمَا رِضًا يَأْخُذُ عَنْهُمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا عَلَيْهِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهُمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَصْوَبُهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ فُقَهَاءَ وَاتَّفَقَ اثْنَانِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى قَوْلِ الثَّالِثِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا وَلَمْ يَتَّفِقْ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ اجْتَهَدَ هُوَ وَرَأْيُهُ فِيمَا أَفْتُوهُ فِيهِ، فَأَيُّهُمْ كَانَ أَصْوَبَ عِنْدَهُ قَوْلًا عَمِلَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَفْتِي عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَفْتَى عَالِمٌ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَفْتَى عَالِمٌ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَأَفْتَى عَالِمٌ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْ بِقَوْلِ زُفَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ شَاوَرَهُمْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَالْقَاضِي لَا يَكُونُ أَفْطَنَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ وَكَانَ رَأْيُهُ كَرَأْيِهِمْ فَصَلَ الْحُكْمَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا نَظَرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَقْوَالِ مِنْ الْحَقِّ وَأَمْضَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُعْتَبَرُ السِّنُّ وَلَا كَثْرَةُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْغَرَ وَالْوَاحِدَ قَدْ يُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ فِي حَادِثَةٍ مَا لَا يُوَفَّقُ الْأَكْبَرُ وَالْجَمَاعَةُ.
إمَّا لِكَثْرَةِ فِطْنَتِهِ وَحِفْظِهِ أَوْ لِجَوْدَةِ خَاطِرِهِ وَذَكَاءِ فَهْمِهِ - أَلَا يُرَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُشَاوِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ يَقُولُ لَهُ: غُصْ يَا غَوَّاصُ، وَكَانَ إذَا أَصَابَ يَقُولُ لَهُ: " شَنْشَنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخَزَمَ "، وَهَذَا مَثَلٌ تَذْكُرُهُ الْعَرَبُ لِمَنْ يُشْبِهُ أَبَاهُ، وَكَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ، وَعُمَرُ أَكْبَرُ سِنًّا، فَإِذَا اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ الْبَلَدِ عَلَى شَيْءٍ وَكَانَ رَأْيُهُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْجَلَ بِالْحُكْمِ حَتَّى يَكْتُبَ فِيهِ إلَى غَيْرِهِمْ وَيُشَاوِرَهُمْ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست