responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 176
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فِي تُهْمَةِ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً» ، وَإِنْ أَثْبَتَ الْعَدَدَ، وَلَمْ يُحْضِرْهُ بَيِّنَةً عَلَى الدَّمِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا أُطِيلَ حَبْسُهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فَالْيَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا فَإِنْ أَتَى طَالِبُ الدَّمِ فِي دَاخِلِ الْمُدَّةِ بِسَبَبٍ قَوِيٍّ سَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ وَوَجَبَتْ الزِّيَادَةُ فِي حَبْسِهِ عَلَى مَا يَرَاهُ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يَجُوزُ لَهُ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ ضَرْبُ الْمَتْهُومِ ضَرْبَ تَقْرِيرٍ فَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعَاطِيهِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الدَّعَاوَى عَلَى أَهْلِ التُّهَمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلَكِنْ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ صِفَةِ ضَرْبِ الْحُدُودِ وَلَا يُعَاقِبُهُمْ بِغَيْرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

(فَصْلٌ) :
وَمِنْ هَذَا الْفَصْلِ مَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ السَّرِقَةَ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: الْإِمَامُ يُعَزِّرُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ بِأَنْ رَآهُ الْإِمَامُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ أَوْ رَآهُ مَعَ الْفُسَّاقِ جَالِسًا لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ لَكِنَّهُ مَعَهُمْ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ.
وَعَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى حَنَّانِ بْنِ أَبِي حَبَلَةَ وَكَانَ أَمِيرًا فَأَتَى بِسَارِقٍ فَقَالَ الْأَمِيرُ: أَيُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: الْيَمِينُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، قَالَ الْأَمِيرُ: هَاتُوا بِالسَّوْطِ وَالْعُقَابَيْنِ، وَهُمَا عُودَانِ يُنْصَبَانِ مَفْرُوقَيْنِ فِي الْأَرْضِ يُشَجُّ بَيْنَهُمَا الْمَضْرُوبُ أَوْ الْمَصْلُوبُ، كَذَا فِي الْمَغْرِب، فَمَا ضُرِبَ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ حَتَّى أَقَرَّ وَأَتَى بِسَرِقَتِهِ.
قَالَ عِصَامٌ: سُبْحَانَ اللَّهُ، مَا رَأَيْتُ ظُلْمًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا.
مِنْ الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ لَهُ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ، وَلَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحُدُودِ - اسْتِدَامَةَ حَبْسِهِ فَذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالدُّعَّارُ يُحْبَسُونَ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُمْ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَنْ يُحْبَسُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِغْلَاظَ عَلَى أَهْلِ الشَّرِّ وَالْقَمْعَ لَهُمْ، وَالْأَخْذَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِمَّا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ.
وَيُقَالُ: مَنْ لَمْ يَمْنَعْ النَّاسَ مِنْ الْبَاطِلِ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَهُ إحْلَافُ الْمَتْهُومِ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُتَّهَمَ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَصَرُّفَاتِ الْقَيِّمِ فِي الْأَوْقَافِ قَالَ: وَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ أَنْفَقُوا عَلَى الْيَتِيمِ وَالضَّيْعَةِ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ كَذَا وَبَقِيَ فِي أَيْدِينَا كَذَا، فَإِنْ عُرِفَ بِالْأَمَانَةِ يَقْبَلُ الْقَاضِي الْإِجْمَالَ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّفْسِيرِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا يَحْبِسُهُ، وَلَكِنْ يُحْضِرُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَيُخَوِّفُهُ وَيُهَدِّدُهُ إنْ لَمْ يُفَسِّرْ، فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ إحْلَافَ الْمُتَّهَمِ مُطْلَقًا مَعَ زِيَادَةِ التَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ، وَهُوَ مِنْ السِّيَاسَةِ الْحَسَنَةِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقُ وَالْأَيْمَانُ الْمُغَلَّظَةُ لَمْ يُجَوِّزْهَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا، فَإِنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ يُفْتَى أَنَّ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي. اُنْظُرْ الْخُلَاصَةَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يَأْخُذُ الْمُجْرِمَ بِالتَّوْبَةِ قَهْرًا فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْقَاضِي بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ فِي مَظَانِّهِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَهُ سَمَاعُ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِهَنِ فَإِنَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ لِلضَّرُورَةِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمُوَاثَبَاتِ فَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَكَرْتُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي مَدَارَ الْأَحْكَامِ، وَإِلَيْهِ النَّظَرُ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ الْقَضَاءِ مِنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلَا تَحْدِيدٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالنَّظَرِ فِي الْجِرَاحَاتِ وَالتَّدْمِيَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.
(فَصْلٌ) :
قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْحُكَّامِ فِي الْأَحْكَامِ السِّيَاسِيَّةِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، بَلْ تَشْهَدُ لَهُ الْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَتَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْفَسَادَ قَدْ كَثُرَ وَانْتَشَرَ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ عَنْ الشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ، وَتَرْكُ هَذِهِ الْقَوَانِينِ يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ جَمِيعُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ

اسم الکتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف : الطرابلسي، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 176
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست