اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 161
طبقت هذه الطريقة أيضاً بصفة عامة، فكان من نتيجة هذا التعميم أن كثر وقوع الجرائم الخطيرة، وصارت تزيد عاماً بعد عام؛ لأن القضاة يعاقبون عليها بعقوبات بسيطة، مستعملين سلطتهم في اختيار العقوبة وتقديرها، وهذه الطريقة هي المتبعة الآن في معظم القوانين الوضعية، إلا أن بعض القوانين الوضعية كالقانون الألماني والقانون الدانمركي أخذت أيضاً بطريقة الشريعة الثالثة في بعض الجرائم؛ فكأنها تطبق الطريقتين الشرعيتين الثانية والثالثة.
ولا شك أن نظرية الشريعة الإسلامية في تطبيق القاعدة أكثر دقة ومرونة وأقرب إلى حاجات الجماعة، وأكفل بحماية الأمن والنظام، كما أن فيه العلاج الناجع لما ظهر من عيوب في تطبيق القاعدة بطريقة واحدة على كل الجرائم.
ثالثاً: من حيث الجريمة: تراعي الشريعة، كقاعدة عامة عندما تحدد الجريمة، أن يكون النص عاماً، ومرناً إلى حد كبير، بحيث ينطوي تحته كل ما يمكن تصوره من حالات، ولا يخرج عن حكمه أية حالة، والشريعة تضيق من دائرة هذا التعميم [1] إلى حد ما في جرائم الحدود وجرائم القصاص والدية، أما فيما عداها فالتعميم في النص يأخذ حده كما هو الحال في المعاصي التي يحزر فيها، مثل قوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] تحريماً جريمة التجسس، ومثل قوله: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، ومثل قوله: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ} [الشعراء: 181] ، ومثل قوله: {لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: 27] ، وفي التعزير المقرر للمصلحة العامة يصل التعميم والمرونة إلى حد تحريم الفعل بوصفه لا بذاته، بحيث لا يمكن معرفة ما إذا كان الفعل جريمة أو غير جريمة إلا بعد أن يقع. وقد كان لعموم النصوص ومرونتها أثرها البالغ في صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، واستغنائها عن التعديل والتبديل. [1] إذا لم يكن التضييق ظاهراً في النصوص المحرمة للجريمة فإنه ظاهر في بقية النصوص الأخرى التي تحكم الجريمة، فالسرقة جاء نصها عاماً ولكن دائرة هذا التعميم ضيقت بما وضعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قيود؛ كاشتراط الحرز، واشتراط أن لا يكون الثمر معلقاً، وغير ذلك.
اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 161