اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 160
والقوانين الوضعية توجب أن لا تكون جريمة ولا عقوبة بلا نص، ولكن الشريعة تختلف عن القوانين في تطبيق هذه القاعدة من عدة وجوه:
أولاً: من حيث تاريخ تطبيق القاعدة: طبقت الشريعة الإسلامية القاعدة بل أن تعرفها القوانين الوضعية وتطبقها باثنى عشر قرناً على الأقل، فالقوانين الوضعية لم تأت بشئ جديد، وإنما أخذت النظرية التي ابتكرتها الشريعة.
ثانياً: من حيث التطبيق بصفة عامة: يختلف تطبيق القاعدة في الشريعة باختلاف نوع الجرائم التي تطبق عليها، ففي الجرائم الخطيرة التي يتأثر بها أمن الجماعة ونظامها تأثراً شديداً تتشدد الشريعة في تطبيق القاعدة تشدداً تاماً، فتدقق في تحديد الجريمة وتعيين العقوبة، وهذا هو المتبع في جرائم الحدود، وفي جرائم القصاص والدية.
وفي الجرائم الأقل خطورة - وهي جرائم التعازير بصفة عامة - تتساهل الشريعة في تطبيق القاعدة من ناحية العقوبة، فتجعل لجرائم التعازير كلها مجموعة من العقوبات، وتترك للقاضي أن يختار من بينها العقوبة الملائمة. وفي جرائم التعازير المقررة للمصلحة العامة تتساهل الشريعة في تطبيق القاعدة من ناحية الجريمة، وتكتقي بوضع نصوص عامة جداً يدخل تحتها أي فعل يمس المصلحة العامة والنظام العام. فكأن الشريعة تطبق القاعدة بثلاثة طرق؛ لكل نوع من الجرائم طريقة خاصة تلائمه وتلائم مصلحة الجماعة والأفراد.
أما القوانين الوضعية فتطبق القاعدة بطريقة واحدة على كل الجرائم، ولعل هذا هو علة النتائج السيئة التي ترتبت على تطبيق القاعدة، ففي أول الأمر طبقت القوانين الوضعية الطريقة الأولى - التي خصصتها الشريعة للجرائم الخطيرة - على كل الجرائم التي يعاقب عليه القانون، فكان التعميم في التطبيق سبباً في تحرج المحلفين والقضاة من الحكم بعقوبة شديدة في جريمة غير خطيرة وفي تبرئة كثير من القضايا، ثم عدلت القوانين الوضعية عن هذه الطريقة، وأخذت بطريقة الشريعة الثانية مع تضييق سلطة القاضي في اختيار العقوبة وتحديدها، ولكنها
اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 160