اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 143
فكتب الشريعة مركزة العبارة، تصاغ عبارتها عادة في دقة بالغة حتى لتبلغ في تركيزها أكثر مما تبلغه نصوص القوانين الوضعية من التركيز والدقة، وللفقهاء فوق ذلك كله تعبيرات واصطلاحات خاصة ينبغي أن يلم بها المرء قبل دراسة الشريعة، كما ينبغي أن يلم دارس القانون قبل دراسته بالاصطلاحات القانونية، فمن جهل الاصطلاحات الشرعية ولم يدقق في الاطلاع على نصوص الشريعة، فلا شك أنه لم يصل إلى فهم كتب الشريعة فهماً صحيحاً، وهذا هو الذي حدث فعلاً للقائمين بأن الشريعة لم تحدد جرائم التعزير وعقوباتها، فإنهم لم يفهموا ما كتبه الفقهاء في هذه المسألة على وجهه الصحيح، ولو فهموه على وجهه لعلموا أن الشريعة حددت الأفعال المعتبرة المعاصي وعينتها، وأن الشريعة توجب على القاضي قبل كل شيء أن يبحث عما إذا كان الفعل المنسوب للجاني معصية بحسب نصوص الشريعة أم لا، فإن وجده معصية بحيث إن كانت التهمة ثابتة قبل الجاني أم لا، فإن كانت ثابتة عاقبه بإحدى العقوبات التي وضعتها الشريعة للتعزير، بشرط أن تكون عقوبة ملائمة في نوعها وكَمها للجريمة وللمجرم، أما إذا وجد القاضي أن الفعل ليس معصية فلا جريمة ولا عقوبة.
وليس للقاضي ولا لأحد كائناً من كان أن يعتبر فعلاً ما معصية ما لم تعتبره الشريعة كذلك، وليس للقاضي ولا لأحد كائناً من كان أن يعاقب على معصية بعقوبة لم تقررها الشريعة وإلا كان محرماً ما أحله الله، مبيحاً ما حرمه، وقائلاً على الله بغير علم.
103 - نماذج مما كتبه الفقهاء في التعزير: ونستطيع أن نتبين صحة ما قلناه من عرض بعض ما كتبه بعض الفقهاء عن التعزير.
فهذا فقيه حنفي يقول: "التعزير يكون في كل معصية ... إلخ، وليس فيه شيء مقدر، وإنما هو مفوض إلى رأي الإمام على ما تقتضي جنايات الناس وأحوالهم" [1] .
وهذا فقيه شافعي يقول: "من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة عزر حسب ما يراه السلطان" [2] .
وهذا فقيه [1] الزيلعي ج3 ص208. [2] المهذب ج2 ص306
اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 143