الأمر الثاني: أن المسلم إذا كان يحترف عملا شريفا، ويتقن صنعة لها قيمة في حياة الناس، فلا ضير عليه أن يعمل عند الكافر؛ لأنه لا يعيش عالة، وإنما يأكل من كد يمينه، وعرق جبينه، وفي هذه الحالة لا ينال من الكافر لا في خلقه ولا دينه، وقد صرح بعض الفقهاء بالمنع، ولعله قصد الحالة الأولى حالة استئجار الكافر للمسلم، أو للمصحف وما في حكمه، فإن الإجارة تقع صحيحة لكن مع الكراهة، فإذا أراد أن يتسلم العين، فلا تسلم له بل يقبضها الحاكم عنه، ثم يأمره، وجوبا بإزالة ملكه عنها في إجارة العين، ويمنعه من استخدام المسلم لما فيه من الإذلال[1].
آراء الفقهاء في بيع المصاحف:
للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أراء:
الأول: رخص في شرائها وكره بيعها، وقد كان أصحاب رسول الله، يكرهون بيع المصاحف، وفي ذلك روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس، ومروان بن الحكم أنهما سئلا عن بيع المصاحف للتجارة، فقالا: لا نرى أن تجعله متجرًا، ولكن ما عملت بيديك فلا بأس به، وروى أيضا بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير: "اشتره ولا تبعه"، وهذا إن صح، فإنه يدل على جواز بيعه مع الكراهة، والكراهة هنا للتنزيه تعظيما للمصحف عن أن يبذل بالبيع، أو يجعل متجرا.
والثاني: كره البيع والشراء، وبه قال ابن مسعود.
والثالث: يرى صحة بيع المصحف، وشرائه وإجارته، ونسخه بالأجرة. [1] راجع حاشية قليوبي على المنهاج "ج2 ص156".