اسم الکتاب : رسائل ابن حزم المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 157
الصلاة في جامع قرطبة أيام حكم المستنصر بالله رحمه الله جارية يحبها حباً شديداً، فعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها، فقالت له ساخرة به؛ وكان عظيم اللحية: إن لحيتك أستبشع عظمها، فإن حذفت منها كان ما ترغبه. فأعمل الجلمين [1] فيها حتى لطفت، ثم دعا بجماعة شهود وأشهدهم على عتقها، ثم خطبها إلى نفسه فلم ترض به، وكان في جملة من حضر أخوه حكم بن منذر فقال لمن حضر: اعرض عليها أني أخطبها أنا، ففعل فأجابت إليه، فتزوجها في ذلك المجلس بعينه ورضي بهذا العار الفادح على ورعه ونسكه واجتهاده.
فأنا أدركت سعيداً هذا وقد قتله البربر يوم دخولهم قرطبة عنوة وانتهابهم إياها، وحكم المذكور أخوه هو رأس المعتزلة بالأندلس وكبيرهم وأستاذهم ومتكلمهم وناسكهم، وهو مع ذلك شاعر طيب وفقيه. وكان أخوه عبد الملك بن منذر متهماً بهذا المذهب أيضاً، ولي خطة الرد أيام الحكم رضي الله عنه، وهو الذي صلبه المنصور ابن أبي عامر إذ اتهمه هو وجماعة من الفقهاء والقضاة بقرطبة أنهم يبايعون سراً لعبد الرحمن بن عبيد الله ابن أمير المؤمنين الناصر رضي الله عنهم، فقتل عبد الرحمن وصلب عبد الملك بن منذر وبدد شمل من اتهم. وكان أبوهم قاضي القضاة منذر بن سعيد متهماً بمذهب الاعتزال أيضاً، وكان أخطب الناس وعلمهم بكل فن وأورعهم وأكثرهم هزلاً ودعابة. وحكم المذكور في الحياة في حين كتابتي إليك بهذه الرسالة قد كف بصره وأسن جداً. [1] الجلمان: المقص.
اسم الکتاب : رسائل ابن حزم المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 157