اسم الکتاب : السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم المؤلف : السخاوي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 22
وكذا مع ما كان يصل به أمهات المؤمنين: «أوصى لهن بحديقة بيعت بأربع مئة ألف» [1] ، إلى غير ذلك من صدقاته الفاشية وعوارفه العظيمة، حتى إنه أعتق في يوم ثلاثين عبداً، وفي عمره ثلاثين ألف نسمة، وتصدق مرة بِعِيرٍ فيها سبع مئة بَعِير، وردت عليه تحمل من كل شيء، فتصدق بها وبما عليها، وبأقتابها، وأحلاسها.
وعن معمر عن الزهري قال: تصدق ابن عوف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بعد بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمس مئة فرس في سبيل الله وخمس مئة راحلة، وأوصى بعد موته بخمسين ألف دينار، وبألف فرس في سبيل الله، ولمن بقى من البدريين كل رجل بأربع مئة دينار، وكانوا مئة فأخذوها، وكان عثمان -رضي الله عنه- فيمن أخذ [2] .
ومن تكون الدنيا في يديه ويؤدي الحقوق منها ويتطوع بالأمور المستحبة فيها ولم تكن عائقة له عن الوصول إلى الله -تعالى-، ولا لها في قلبه مزية، ولا يفخر بها؛ خصوصاً على من دونه [3] ، ولا يكون بما في يديه منها أوثق منه بما عند الله، بحيث يحبسها عما شرع له صرفها فيه، مع التقتير على نفسه وعياله، وعدم إظهار نعمة الله -عز وجل-، ولا ينفقها في وجوه الباطل التي لم تشرع، ولا يبذر يكون
= وقال الهيثمي في «المجمع» (9/174) : «رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات» .
وعند ابن أبي عاصم والحاكم: أن أبا سلمة بن عمرو بن عبد الرحمن بن عوف قال: «فباع عبد الرحمن حديقة بأربع مئة ألف، فقسمها في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -» . وانظر «السلسلة الصحيحة» (1845) . [1] انظر التخريج السابق. [2] انظر هذا الأثر عند: ابن عساكر (10/139) ، والذهبي في «السير» (1/90) ، وما سيأتي في التعليق على (ص 96-97) . [3] الفخر والعجب بالمال، أسوأ مراتب العُجب، ودواءه: انظر في كلِّ ساقط خسيس، وهو أغنى منك، فلا تغتبط بحالةٍ يفوقك فيها من ذكرت، واعلم أن عجبك بالمال حُمقٌ لأنّه أحجارٌ لا تنتفع بها إلا بأن تُخرجها عن مُلكك بنفقتها في وجهها فقط، والمال -أيضاً- غادٍ ورائحٌ، وربّما زال عنك، ورأيته بعينه في يد غيرك، ولعلّ ذلك يكون في يدِ عدوّك، فالعُجب بمثلِ هذا؛ سُخفٌ، والثقة به غرورٌ وضعفٌ.
اسم الکتاب : السر المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم المؤلف : السخاوي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 22