ثانياً: إن العلم بالحساب الفلكي القائم على تولُّد الهلال عند الاقتران قد يجعل المسلمين في غربيِّ العالم الإسلامي المترامي الأطراف، يصومون قبل المسلمين في شرقيِّه بيومٍ، فيصوم الغربيون الثلاثاء مثلاً ويصوم الشرقيون الأربعاء، وهذه الحالة قد تحصل عندما يتولد الهلال بعد منتصف النهار في يوم الاثنين مثلاً، فبالحساب الفلكي يُعتبر يومُ الثلاثاء بداية شهر عند الغربيين فيصومونه إن كان رمضانَ، ولا يُعتبر يومُ الثلاثاء بدايةَ شهرِ رمضان عند الشرقيين، لأن الهلال عند الغروب لا يكون متولداً عندهم بعد فيصومون يوم الأربعاء. وإذن فإن العمل بهذا الحساب الفلكي قد يؤدي إلى أن ينقسم المسلمون في الصيام إلى قسمين، أو قل إلى مطلعين، يسبق أحدُهما الأخر بيوم في حين أن العمل بالطريقة الشرعية يوحِّد المسلمين في العالم الإسلامي في الصيام وفي الإفطار وفي الأعياد، لأن رؤية شاهدٍ عدلٍ واحد في أي قطر أو بقعة من بلاد المسلمين تكفي لقيام المسلمين جميعاً بالصيام والإفطار.
…وقد يقال إن الحساب الفلكي دقيق جداً، يستطيع تحديد بدايات الأشهر ونهاياتها بدقة تامة تصل إلى الدقائق والثواني، وإنه قادر على تحديد البدايات والنهايات لسنين قادمة، مما يجعل الخطأ في الصوم منتفياً تماماً. فنقول لهؤلاء: إن الله سبحانه لا يأمرنا بأن نتعبَّده بالصواب المقطوع به، وإلا هلك المسلمون جميعاً، وإنما يأمرنا بأن نتعبَّده بما نراه صواباً، فإن أصبنا الصواب القطعيَّ فذاك، وإن نحن أخطأناه قُبِل منا وأُثِبْنا، ولا حساب علينا. فالعبادات في الإسلام ليست مسائل حسابية يجب التوصل إليها بالنظريات الحسابية والعلمية وإنما هي شرائعُ وأحكام أُمرنا باتِّباعها حسب فهمنا واجتهادنا، والله سبحانه يتقبل منا ما نفعله عندئذٍ، أصبنا الصواب أو أخطأناه.