…إننا نعيش في عصر العلمانية، وتعني هذه اللفظة الأخذ بالقوانين والقواعد العلمية والعقلية دون نظرٍ في الأحكام والقواعد الدينية، وبعبارة أخرى فإن العلمانية تعني إقصاء الدين عن حياة الناس والعملَ في الحياة بمقتضى القوانين والقواعد العلمية والعقلية التي توصلت إليها أبحاثهم وعقولهم. وقد أُخِذَ الناسُ بسحر هذه الكلمة، واتخذوا منها المقياس العصري للنهضة والتقدم، فقدَّسوا العلم وقدَّسوا العقل البشري، ورفضوا أي فكر أو رأي أو حكم أو تشريع لا يصدر عن العقل البشري ولا يقبل به.
…والذي يعنينا من كل هذا هو علوم الفلك والحساب الفلكي، فهذا الحساب لكونه علماً من العلوم فإن الناس قد فُتنوا به، حتى إن المسلمين راحوا يطالبون بالعمل به في عباداتهم، من حج وصوم وأعياد، ناسين أو متناسين أن الشريعة إنما تُؤْخَذ من مصادرها، وهي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، ولا تُؤخذ من غير هذه المصادر الأربعة مهما كانت الدواعي والأسباب.
…إن الشرع قد أمر بصيام شهر رمضان، وشرع لهذا الصيام طريقةً لتحديد بدايته ونهايته، هي رؤية العين لهلال رمضان ولهلال شوال، ولم يكتف الشرع بذلك وإنما استبعد الحساب من التدخل في هذه الطريقة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إِنَّا أمةٌ أُميةٌ لا نكتب ولا نحسِب الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين} رواه البخاري (1913) ومسلم وأبو داود والنَّسائي وأحمد. وسيمرُّ بعد قليل. فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن أن المسلمين لا يكتبون ولا يحسبون وأنه قال ذلك في معرض الحديث عن الصيام وما يتعلق به من تحديدٍ للأشهر، مما يجعل إدخال الحساب الفلكي في تحديد بدايات الأشهر ونهاياتها غير مشروع وغير مطلوب.