ثم إن الأحاديث يفسِّر بعضُها بعضاً، وقد جاءت أحاديث تفسر هذه الكلمة بغير ما فسَّرها به ابن سُريج، منها ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم – أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم – {صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم فأَكْمِلوا عدة شعبان ثلاثين} رواه البخاري (1909) ومسلم والنَّسائي وأحمد وابن حِبَّان. ووقع عند مسلم أيضاً (2514) لفظ {إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأَفطروا فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يوماً} فتفسير كلمة (اقدروا له) جاء في الحديث هكذا (أكملوا عدة شعبان ثلاثين) (صوموا ثلاثين يوماً) وهذا التفسير يقطع بخطأ تفسير ابن سُرَيْج، لأن إكمال عدة شعبان ثلاثين لا يحتاج لعلم الحساب والفلك حتى تُحصَر الكلمة بأربابه، وإنما هو خطاب لعموم المسلمين كما لا يخفى.
بل إن ما هو أقطعُ في الحجة وأَبينُ في الاستدلال هو ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري (1906) من طريق ابن عمر المار قبل عدة أسطر بلفظ {لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه ... } فهو لم يكتف بالأمر بالصوم عند الرؤية وإنما جاء النهي هنا عن الصيام دون الرؤية، والصيام بالحساب الفلكي لا شك في أنه صيام دون رؤية.
…إلا هذا كله لا يعني أن الاستفادة من الحساب الفلكي غير جائزة، ولا يُحتاج إليها، وإنما أردنا أن نبين فقط أن هذا الحساب ليس هو صاحب القرار في تعيين بدء الصوم أو بدء الإفطار، وإنما الرؤية العينية في الصيام وفي الإفطار هي ما أوجبها الشرع ولم يوجِب غيرها، فوجب القول بها وبها وحدها.