…فيبقى عندنا الحديث الأول، والحديثان الثاني والثالث، على لينٍ فيهما من حيث السند، إضافة إلى الآثار في البند 6. الحديثان الأول والثاني فقط قد أسندا ذكر القمح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وحيث أنه ثبت عندنا بالأحاديث الكثيرة الصحيحة المارَّة قبل قليل أنه لم يكن القمح طعاماً للناس في العهد النبوي، وأنه لم يرد ذكرٌ للقمح في تلك الأحاديث الكثيرة الصحيحة ونفي تلك الأحاديث لإخراج القمح في زكاة الفطر فإن المحصلة هي أن متن هذين الحديثين يخالف متون الأحاديث الكثيرة الصحيحة النافية لوجود القمح وذِكره كجنسٍ يُخرج في زكاة الفطر، فيرد الحديثان متناً، وتُرجِّح الأحاديث الكثيرة الصحيحة عليهما.
…أما الحديث الثالث، فمتنه موافق لمتون الأحاديث الكثيرة الصحيحة، فيُقبل ويعمل به، وهو صريح الدلالة على أن التعادل بين القمح والأجناس الأخرى هو من فعل عمر، وهو متأخر قطعاً عن العهد النبوي، فيصح إلحاقه بالآثار في البند 6. قال ابن المنذر: لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يُعتمد عليه، ولم يكن البُرُّ بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاعٍ منه يقوم مقام صاع من الشعير، وهم الأئمة، فغير جائز أن يُعدل عن قولهم إلى قول مثلهم.
…وهكذا لم يبق للقائلين بأن مقدار زكاة الفطر من القمح نصف صاع إلا الآثار في البند 6 وما الحقناه بها من الأثر في البند 3 والأثر في البند 4. الأول فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والثاني قول أبي هريرة رضي الله عنه. ولم يبق لهؤلاء أي حديث نبوي صالح للاحتجاج به على أن زكاة الفطر نصف صاع من قمح.