أمَّا قول ابن قُدامة في كتاب المغني [ولأنه – أي القمح – جنسٌ يُخْرَج في صدقة الفطر فكان قدره صاعاً كسائر الأجناس] فهو قياس مع الفارق فلا يصح، إضافة إلى أنهْ معارَض بالنصوص التي ذكرت نصف صاع من القمح. وننتقل الآن إلى استعراض الأحاديث التي يستدل بها القائلون بأن نصف صاع من القمح يجزئ في صدقة الفطر، فنقول ما يلي:
الحديث الأول – حديث ثعلبة – روي من عدة طرقٍ، إحداها أنه رُوي من طريق النعمان بن راشد عند أحمد (24064) هكذا {حدَّثنا عفان قال: سألت حماد بن زيد عن صَدَقة الفطر، فحدَّثني عن نعمان بن راشد عن الزُّهري عن ثعلبة بن أبي صُعَير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... } فذكر الحديث. وكذلك رواه أبو داود بهذا السند (1619) وقد قال صاحب المغني رادَّاً هذا الحديث بقوله [وحديث ثعلبة تفرَّد به النعمان بن راشد] وردَّ الحديث على اعتبار أن النعمان بن راشد ضعيف عند جمهرة المحدِّثين. فأقول إن هذا الحديث كما قلت آنفاً قد رُوي من عدة طرق وأوردتُ الحديث (24063) عند أحمد وهذا سنده {حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جُرَيج قال: وقال ابن شهاب: قال عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير العذري} فذكر الحديث. وكما ترون فإِنَّ السند قد خلا من ذِكْر النعمان بن راشد، ورواته ثقات. وكذا رواه أبو داود (1621) وعبد الرزاق (5785) فالحديث من هذه الطريق صالح للاستدلال والاحتجاج. هذا من حيث السند.
وأما الحديث الثاني ففي سنده سالم بن نوح، ضعَّفه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وابن عدي، ووثَّقه ابن حِبَّان وأبو زُرعة، وقبله أحمد بن حنبل، فهو مختلَف فيه، فيكون صالحاً للاستدلال إلا أن يخالف متنُهُ متونَ الأحاديث الصحيحة فيُترك.