ورابعاً: وهؤلاء القائلون إن لفظة الطعام تعني القمح، وإِنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه قد فرض صاعاً من الطعام، أي من القمح، كيف يفسرون فعل معاوية بمعادلة نصف صاع من القمح بصاع مما سواه؟ وهل يتهم هؤلاء معاويةَ بمخالفةِ الأمر النبوي وبموافقةِ الناس له، ومنهم الصحابة، على هذه المخالفة؟ وكيف يفسِّرون معادلةَ عمر بن الخطاب نصف صاع من القمح بصاع مما سواه أيضاً؟ نعم أكان يُتصوَّر، وقد فرض الرسول صلى الله عليه وسلم صاعاً من القمح على ادعائهم، أن يأتي عمر بن الخطاب ومعاوية، والصحابةُ متوافرون، ويقولان إن مُدَّين من القمح تكفيان؟! قال ابن خُزيمة [ذِكْرُ الحنطةِ في خبر أبي سعيد غير محفوظ ... إذ لو كان أبو سعيد قد أعلمهم أنهم كانوا يخرجون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعَ حنطة، لما كان لقول الرجل: أو مُدَّين من قمح معنى] ثم يقرُّه المسلمون ويعملون بقوله!! لهذه النقاط الأربع أقول إنه لا حجة لهؤلاء على ما ذهبوا إليه من هذا الحديث، بل إن هذا الحديث حجة عليهم وليس حجة لهم.
…أما حديثهم الثاني (فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر ... صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من بُر) فإني لأعجب من ادعائهم أن هذا النص دليل على أن صدقة الفطر صاع من بر!! فلا المنطوق يسعفهم ولا المفهوم يعضد قولهم بل إن هذا النص هو حجة عليهم أكثر مما هو حجة لهم، فالحديث قد ذكر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد فرض صاعاً من تمر أو شعير، ولم يذكر أنه عليه الصلاة والسلام قد فرض صاعاً من قمح، والسبب في ذلك أن القمح آنذاك لم يكن متوافراً عندهم إلا القليل منه، وبقي الحال كذلك حتى فتح الله سبحانه على المسلمين الأمصارَ من بعدُ وكثر وجود القمح عندئذٍ، وعندئذٍ فقط عدل الناس بصاع التمر أو الشعير نصفَ صاع من القمح. فأية حجةً لهؤلاء بهذا الحديث؟