اختلف الصحابة والفقهاء من بعدهم في تحديد مقدارِ ما يُخْرَجُ من القمح في زكاة الفطر على رأيين، واتفقوا على إخراج صاعٍ واحد من سائر الأصناف الأخرى فذهب من الصحابة أبو بكر الصِّدِّيق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وعبد الله ابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر وأبو قلابة رضي الله عنهم إلى أن نصف صاعٍ من قمح يُجْزِئُ في زكاة الفطر وبه قال سعيد بن المسيِّب وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وعروة بن الزبير وعطاء وطاووس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز، والإمام أبو حنيفة. وقد أسند ابن المنذر عن كلٍّ من عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأسماء بنت أبي بكر أسانيد - قال ابن حجر إِنها صحيحة - أنهم رأوا أنَّ في زكاة الفطر نصفَ صاعٍ من قمحٍ. وقد أورد عبد الرزاق أقوال كلٍّ من ابن الزبير وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعلي بن أبي طالب وأبي قُلابة بأن مُدين من قمحٍ - أي نصف صاعٍ - أو صاعاً مما سواه يجزئ في زكاة الفطر. وأَورد ابن أبي شيبة أقوالاً مماثلة مسندة لابن الزبير وابن مسعود وعلي وعثمان وأبي قُلابة. فيما ذهب أبو سعيد الخدري وأبو العالية وأبو الشعثاء رضي الله عنهم إلى أن المجزئ في زكاة الفطر صاعٌ من القمح، وبه قال الحسن البصري وجابر بن زيد ومالك والشافعي وأحمد وإسحق بن راهُويه والشوكاني. قال الترمذي [والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون من كل شيء صاعاً، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من كل شيء صاع إلا من البُرِّ، فإنه يجزئ نصف صاع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة يرون نصف صاع من بُرٍّ] ونحن حتى نصل إلى الحكم الصائب في هذه المسألة بإذن الله لا بد لنا من استعراض أدلة الطرفين: