أما إفطار المنفرد برؤية هلال شوال فلا يجوز، وهو ما ذلك إليه أبو حنيفة ومالك وأحمد، لأن الإفطار يعني بدء شوال، وبدء شوال يعني يوم عيد الفطر، وهذا التحديد هو من عمل دولة الخلافةِ، وليس من حق الأفراد، وذلك أن كل شعيرة من شعائر الدين تتعلق بالجماعة كجماعة يجب على الخلافة وحدها أن تأمر بها وتنظِّمها، وتحدِّد وقتها، ولا حق لفرد ولا لمجموعة أفراد أن يتولَّوْا ذلك بأنفسهم، وإلا اضطرب أمر الجماعة، وهو حرام لا يجوز. فالفرد لا يحق له أن يعيِّد إلا في العيد الذي تعلنه دولة الخلافة، ومن ثم لا يحق له منفرداً أن يعلن الإفطار، ولا أن يحدِّد متى يوم العيد، فوجب عليه الإمساك عن الإفطار والاستمرار بالصوم مع جماعة المسلمين. وقد جاء في الحديث المار قبل قليل والذي رواه ربعي (فجاء أعرابيان فشهدا أن لا إله إلا الله، وأنهما أهلاَّه بالأمس، فأمرهم فأفطروا) كما جاء في الحديث المار قبل قليل، والذي رواه أبو عمير بن أنس (فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا) ومثلهما حديث أنس الذي تلاهما. فالأعرابيان رغم أنهما رأيا هلال شوال – أي هلال العيد – بالأمس، إلا أنهما صاما ذلك اليوم حتى أتاهما أمرُ الرسول صلى الله عليه وسلم بالإفطار، والركبُ في الحديث الثاني بقُوا صائمين، رغم أنهم رأوا هلال شوال – أي هلال العيد – إلى آخر النهار حتى أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالإفطار، وقل مثل ذلك بخصوص حديث أنس، وهذا يدل على أن إعلان وقت الإفطار هو من عمل الدولة وأنه لا يحق لأحد أن يفطر قبل ذلك الإعلان. وعلى هذا فإن رأي الأئمة الثلاثة هو الصواب، ورأي الإمام الشافعي خطأ. والنتيجة هي أن المنفرد يصوم بشهادة نفسه ولكنه لا يفطر إلا بأمر الدولة فحسب.