ثالثاً: إن من الأمور الأخرى التي سبَّبت كثرة الخلافات بين الفقهاء لجوءَ هم أحياناً لتأويل ألفاظ النصوص، وتحميلها مالا تحتمل، في الوقت الذي تتوفر فيه عندهم نصوصٌ ذاتُ منطوقٍ لا يحتمل التأويل، ولا التحميل البعيد، فمثلاً القول الحادي والعشرون: إنها ليلة سبع وعشرين فقد استدلَّ القائلون به بما روى مسلم (2779) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم يذكر حيث طلع القمر وهو مثل شقِّ جَفْنة؟} قوله شق جفنة: أي نصف صحن كبير. ثم إِنهم لجأوا لأبي الحسن الفارسي في شرح هذا النص، فقال لهم: إنه يعني ليلةَ سبعٍ وعشرين لأن القمر يطلع فيها بتلك الصفة. وكأن هذه الصفة لا يعرفها إلا هو؟! ولا أدري ماذا يقولون في هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد (23517) عن أبي إسحق، أنه سمع أبا حذيفة يحدِّث عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {نظرتُ إلى القمر صبيحةَ ليلةِ القدر، فرأيته كأنه فَلْقُ جَفْنَة. وقال أبو إسحق: إنما يكون القمر كذاك صبيحةَ ليلةِ ثلاثٍ وعشرين} فبأي التفسيرين نأخذ، بتفسير أبي الحسن الفارسي أم بتفسير أبي إسحق؟
رابعاً: لِيعذرْني القراءُ إن أنا أطلتُ عليهم، فإن هذا الأمر – وهو الاختلاف الواسع بين الفقهاء – ليستحقُّ وقفةً أطول بل يستحق كتاباً كاملاً، هذا عند من يهمُّه تقليصُ الخلافات بين المذاهب والفقهاء، فأقول ما يلي: