وعليه فإني أقول إن عقد نية صيام التطوُّع يصح في النهار، في أي جزء منه، ولو كان ذلك قبل الغروب بساعة لأنه لا يصح تقييده إلا بدليل صحيح صالح ولا دليل هنا. وبذلك يظهر خطأ الذين أوجبوا عقد النية قبل الظهيرة فقط ويظهر صواب رأي القائلين بجواز عقد النية قبل الظهيرة وبعدها، وهم عبد الله بن عباس وعائشة وحذيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه.
…أما مسألة: هل تجب النية في رمضان لكل يومٍ أم أن الصائم تُجْزِئه نيةٌ واحدة لجميع الشهر؟ فالصحيح هو أن النية تجب في رمضان لكل يوم وليس صحيحاً أن نيةً واحدةً تُجزئُ لجميع الشهر، وذلك لأن صوم كل يوم هو عبادة مستقلة عما قبلها، وعما بعدها، يفصل بين الصوم والآخر إفطارٌ في الليل، وما دام صوم كل يوم عبادة مستقلة فإنه لا بد له من نية حتى يصحَّ، وهذا الفهم هو من باب تحقيق المناط.
…بقي قول زُفَر وعطاء ومجاهد والزُّهري: إن الصيام يصح في رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نيَّة. وقد قرأت رأي زُفَر في كتاب شرح فتح القدير لابن الهمام الحنفي هكذا [يتأدَّى صومُ رمضان بدون النية في حق الصحيح المقيم، لأن الإمساك مستحق عليه، فعلى أي وجه يؤديه يقع منه] وغفر الله لزُفَر ولمن قال بقوله، وكأنهم لا يعلمون أن العبادات كلها تحتاج إلى نية؟ ألم يسمعوا قوله عليه الصلاة والسلام كما رواه عمر رضي الله تعالى عنه {إنما الأعمال بالنيَّة …} رواه البخاري (6689) ومسلم؟ . وفي رواية أخرى له (1) بلفظ {إنما الأعمال بالنيَّات ... } ؟ فكيف يقول: على أي وجه يُؤدِّيه يقع منه؟ بمعنى أنه لو أمسك عن الطعام ذلك اليوم بنيَّة تنحيف جسمه مثلاً فإن صيامه يكون عبادة صحيحة؟ إن هذا الرأي ليبلغ من الضعف درجة لا يحتاج معها إلى وقفة أطول.