ذهب الجمهور إلى أن الغِيبة لا تفطِّر الصائم. قال أحمد بن حنبل: ومَن سَلِمَ من الغِيبة؟ لو كانت الغيبة تفطِّر ما كان لنا صوم. وذهب الشافعي إلى أن الإِفطار بالغِيبة محمول على سقوط أجر الصوم، وأنه مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم للمتكلم وخطيبُ الجمعة يخطب (لا جمعة لك) ولم يأمره بالإعادة، فدلَّ على أنه أراد سقوط الأجر، قاله الصنعاني صاحب سبل السلام. فيما ذهب الأوزاعي وابن حزم ورواية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى أن الغِيبة تفطِّر الصائم. وحتى يتبين لنا وجهُ الحق في هذه المسألة لا بد لنا من استعراض النصوص المتعلقة بها:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم {من لم يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشرابَه} رواه البخاري (1903) وأبو داود والنَّسائي والترمذي وأحمد. ورواه ابن ماجة (1689) بلفظ {من لم يَدَعْ قولَ الزور والجهلَ والعملَ به فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه} .
2- عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَن لم يدع الخَنَا والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامَه وشرابَه} رواه الطبراني في المعجم الصغير (472) وفي المعجم الأوسط. قال ابن حجر [رجاله ثقات] وفي المقابل قال الهيثمي [وفيه من لم أعرفه] قوله الخَنَا: هو الفُحْشُ في القول.
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {الصيام جُنَّة، فلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ، وإِن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فلْيقلْ إِني صائم، مرتين ... } . رواه البخاري (1894) ومسلم وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة وأحمد. قوله فلا يرفث: أي فلا يتكلم بكلام فاحش، فهو هنا بمعنى الخَنَا الوارد في الحديث المار قبل هذا.