…إن الأحاديث الثلاثة الأولى تذكر أن الحِجامة تفطِّر الصائم، ولكن هذه الأحاديث ليست وحدها في هذه المسألة، فعندنا النص الرابع يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وهو حديث صحيح، ولو لم يكن عندنا مع الأحاديث الثلاثة إلا هذا الحديث لاختلف فهمنا لهذه المسألة لوجود التعارض بينهما كما يظهر، ولكن النظر في جميع النصوص في المسألة الواحدة يمنع الاختلاف كما ذكرنا أو يقلِّصه فجاء الحديث الخامس يذكر أن الحجامة كانت أولاً تفطِّر الصائم، ثم جرى الترخيص بها بعدئذٍ، وجاء الحديث السابع يؤكد هذا المعنى بلفظة (رخَّص) والمعلوم أن لفظة (رخَّص) لا تَرِدُ عادةً إلا بعد التحريم ولا تَرِدُ ابتداءً، فكلمة رخَّص في ذاتها تدل على أن ما قبل ذلك لم يكن مرخَّصاً به. وإذن فإنه لا مندوحة لنا، وقد نظرنا في هذه النصوص، عن القول بوجود نسخ في هذه المسألة، أي نسخ الحكم المستفاد من الأحاديث الثلاثة الأولى.
…وقد يقول قائل إن حديث شداد في البند الثاني حصل زمانَ الفتح، وقد كان الفتح – أي فتح مكة - في العام الثامن من الهجرة وهذا يعني أن القول بإِفطار الحاجم والمحجوم جاء متأخراً، فلا نسخ إذن؟ فنجيبه بأن ابن عباس رضي الله عنه الذي روى الحديث الرابع كان قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولم يصحبه مُحْرِماً قبل ذلك، وحجة الوداع حصلت في العام العاشر من الهجرة، أي أنها حصلت بعد فتح مكة بعامين اثنين، فيكون قول الحديث الرابع متأخراً عن قول الحديث الثاني بعامين، وبذلك يكون حديث ابن عباس ناسخاً لما قبله، وهذا وحده يكفي للردِّ على هؤلاء، ثم جاء الحديث السادس يثبِّت القول بعدم الإِفطار من الحجامة.