الحديث الثالث من طريق أنس رضي الله تعالى عنه فيه عون بن عمارة العنبري وكذلك رواية أبي أُمامة رضي الله تعالى عنه تفرَّد بها عون هذا وهو ضعيف كما ذكر البيهقي نفسه، فيرد الحديث بروايتيه. والحديث الأول رُوي عن أُم المؤمنين حفصة، مرفوعاً وموقوفاً، وقد صحَّح المرفوع ناسٌ وصحَّح الموقوف ناس آخرون فأقول: إن الزيادة من الثقات مقبولة، والزيادة هنا رفعُ الحديث إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقد صحَّت عند عدد من المحدِّثين. وهذا الحديث واضح الدلالة على وجوب تبييت النية قبل الفجر، أي في الليل، وقد جاء اللفظ عاماً في الصيام، فيُعمَل به على عمومه إلا أن تَرِدَ أحاديثُ تخصِّصه فيُحمَل عليها وقد جاء الحديثان المرويان عن عائشة رضي الله عنها في البند 2 يذكران أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نوى الصيام في النهار عندما لم يجد طعاماً عندها، وأنه عندما وجد طعاماً مرة أخرى، وكان صائماً، أفطر وأكل من الطعام، ليدل كلُّ ذلك على جواز النية في النهار لصوم التطوُّع، لأن واقع الحديثين أنه في التطوُّع، فكان هذان الحديثان صالحيَن لصرف حديث حفصة إلى صيام الفريضة.
وعليه فإِنَّا نقول إِنه لا بد لصيام الفرض من نيَّة مبيَّتة في الليل، ونقول إنه يجوز عقدُ النية في النهار لصيام التطوع. وبهذا يُرَدُّ القول الأول المروي عن عبد الله بن عمر وجابر ومالك والليث وابن أبي ذئب بأن المندوب يحتاج أيضاً إلى تبييت النية من الليل إذ أن حديث عائشة ردٌّ على هؤلاء، ويثبت في المقابل قولُ أبي حنيفة والشافعي وأحمد بوجوب تبييت النية في الليل لصيام الفرض فقط دون صيام التطوُّع.