…أما كيف جرى تفسيرنا لهذه الآية الكريمة بما سلف، فإنَّا نقول ما يلي: إن قول هذه الآية الكريمة {وعلى الذين يطيقونه} لا يصح أن يُفسِّر بأنه يعني: وعلى الذين يستطيعونه. وإلا دخل الناس كلُّهم في هذا اللفظ ودخل فيه المريض والمسافر، فإنهما على الأعم الأغلب يستطيعان الصوم أيضاً، وإنما الواجب أن يُفسَّر، أو إن شئت قلت، إنما الواجب أن يؤوَّل بأنه يعني الذين إذا صاموا استنفذوا الطاقة، أي أوشكوا على العجز عن الصوم حقيقة، وبمعنى آخر فإن هؤلاء الفئة من الناس لا يستطيعون الصوم وإتمامَه إلا ببذل أقصى الطاقة والقدرة بحيث يوشكون على العجز عن الإتمام، فجاءت الآية تعذر هؤلاء الناس وتستثنيهم من وجوب الصيام كما تستثنيهم من وجوب القضاء، لأن القضاء في حقهم كالأداء يشق عليهم، ويبلغ بهم أقصى الطاقة والجهد، وأتت بما لا يعجزون عنه ولا يحتاجون إلى بذل طاقتهم كلِّها في أدائه وهو الفدية، أي دفع مالٍ عن كل يوم لا يصومونه. ومما يشهد لهذا الفهم هو ما وجدته في تفسير مجاهد بن جبر وهو من شيوخ المفسِّرين لكتاب الله الكريم فقد وجدت فيه الأثر التالي (في الصفحة 97 من المجلد الأول) عن عطاء عن ابن عباسٍ في قوله { (وعلى الذين يطيقونه) قال: يتكلفونه ولا يستطيعونه (طعام مسكينٍ فمن تطوع خيراً) فأَطعم مسكيناً آخر (فهو خيرٌ له) وليست منسوخةً ... } . فقد فسر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لفظة (يطيقونه) بـ لا يستطيعونه، وهو تفسيرٌ قريب من تفسيرنا.
…وبهذا التفسير، أو قل بهذا التأويل، نكون قد أَبقينا على الانسجام بين الآيات الثلاث ونفينا عنها وجود نسخٍ أو تعطيل، وبهذا التفسير نخرج بالدليل على أن العاجز يفطر ويفدي، وهو الدليل على أن الرجل والمرأة الطاعِنَيْن في السن يفطران ويطعمان بدل ذلك مسكيناً عن كل يوم أفطراه.