…إن الآية الوسطى قد جاءت لبيان الأعذار لترك الصوم الواجب ولم تأت للتخيير بين الصوم والإِفطار، فذكرت عُذْر المرض وعُذْر السفر، وبيَّنت أن ما يقابل الإِفطار في هاتين الحالتين هو القضاء {فعدَّةٌ من أَيام أُخَرَ} ثم جاءت تقول {وعلى الذين يُطيقونه فِدْيةٌ طعامُ مسكين} فعطفت الذين يطيقونه بحرف الواو على المريض والمسافر، وما هذا العطف بالواو، إلا لاشتراك الجميع في الموضوع، وهو هنا الأَعذارُ المُبيحةُ للإِفطار، وإلا فلا عطف، فصارت الأعذار هي: المرض والسفر وبلوغ الطاقة أو استنفاذها، بمعنى أن من كان مريضاً أو مسافراً أو بالغاً الطاقة، فإن لهم أن يفطروا وحيث أن من كان بالغاً الطاقة يترتب عليه ما لا يترتب على المريض والمسافر فإن الآية الكريمة لم تُدْخله معهما، فلم تقل مثلاً فمن كان مريضاً أو على سفر أو بالغاً الطاقة فعدَّةٌ من أيام أخر، إذ أنَّ الدقة في النظم القرآني قد اقتضت إدخالَ مستنفِذِ الطاقة في الأعذار بعطفه على المريض والمسافر، واقتضت عدم إِدخاله في المترتَّب عليهما، وهو قضاء الصوم، فجاءت الآية الكريمة تذكر المغايرة بين العذرين الأولين، وبين العذر الثالث، فقالت {فدْيةٌ طعامُ مسكين} وكانت قد قالت بخصوص العذرين الأَوَّلين {فعدَّة من أيام أُخَر} وبهذه المغايرة تكون الآية الكريمة قد نفت عن العذر الثالث قضاء الصوم، وأتت بحكم جديد غير مطلوب من المريض والمسافر، هو أداء الفدية.