…أما ما رُوي عن عبد الله بن أبي موسى – وقيل عن عبد الله بن أبي قيس على الأصح – قال { ... وسألتها – أي عائشة رضي الله عنها – عن اليوم الذي يُختلَفُ فيه من رمضان؟ فقالت: لأَن أصوم يوماً من شعبان، أحبُّ إليَّ من أن أُفطر يوماً من رمضان قال: فخرجت فسألت ابن عمر وأبا هريرة، فكلُّ واحد منهما قال: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بذاك منا} رواه أحمد (25458) وسعيد بن منصور والبيهقي. فهو اجتهاد منها رضي الله عنها في مقابلة النصوص فلا يُؤخذ، ولا يصمد أمام أحاديثنا الزاجرة عن صوم آخر شعبان وإلحاقه برمضان.
…وقد ذهب أبو حنيفة ومالك إلى تحريم صوم يوم الشك على أنه من رمضان، وإلى جوازه عما سوى ذلك. وهو الصحيح، وهو ما تدل عليه النصوص. وذهب جمهور العلماء والشافعي إلى المنع من صومه. وقال ابن عبد البَر: وممن رُوِي عنهم كراهةُ صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمَّار بن ياسر وعبد الله ابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
…وقد رأينا أن عمَّار بن ياسر قد ذكر في الحديث الخامس ما يدل على التحريم، وليس على الكراهة فحسب. وأقول هنا إن عبارة [كره فلان] إذا وردت على ألسنة بعض الفقهاء فإنهم يعنون بها التحريم، وليس الكراهة بمعناها الاصطلاحي الدارج، فلينتبه القراء لهذه الملاحظة، وكمثال على ذلك أن الترمذي بعد أن روى حديث عمَّار (فقد عصى أبا القاسم) قال [والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين. وبه يقول سفيان الثوري ومالك ابن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه ... ] فقال كرهوا، وهو يعني كراهة تحريم.