…بقي ما ورد في هذه الآثار من القول بالإِطعام، فعمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم قد نُقل عنهم القول بالإِطعام، فظن بعض الفقهاء أن هذا القول يلغي وينفي القول بالقضاء وليس ذلك بصحيحٍ على الإطلاق، فالقول بالإطعام وارد كالقول بالقضاء، فهما على التخيير، فكما أن من مات وعليه صيام جاز لولِيِّه أن يصوم عنه، فكذلك يجوز لولِيِّه أن يطعم عنه بدل الصيام، فالصيام والإِطعام جائزان لا يعارض أحدهما الآخر، وهو ما نقول به، فنحن نقول إن الولي يصوم عن الميت بل ويُستحب منه ذلك، أو يطعِم عن الميت بدل القضاء. فهو مخير بين القضاء والإِطعام، فليس فيما رُوي عن عمر وابنه وابن عباس من القول بالإِطعام ما يخالف ما جاء في الأحاديث النبوية الثابتة من الأمر بالقضاء.
…لكل ما سبق نقول إن الشخص إذا مات وعليه صيام رمضان أو غيره من نذر أو كفَّارة جاز لوليه أن يصوم عنه، كما جاز لوليه أن يُطعِم عنه. وعليه فإن رأي أبي حنيفة ومالك والجمهور [أنه لا يصام عن ميت نذراً ولا غيره] هو رأي غير صحيح ومنقوضٌ بالأحاديث النبوية الصحيحة الناطقة بالجواز.
…ولست في حاجة إلى وقفة طويلةٍ عند قول الذين نظروا في الأحاديث الآمرة بالقضاء، فأوَّلوها بقولهم: إن المراد من ذلك أن وليه يُطعِم عنه. فهذا تأويل بالغ الضعف، بل هو تأويل باطل لا يصح القول به.
…وأما دعوى المالكية بأن أحاديث الصوم عن الميت فيها اضطراب، فقولٌ غير صحيح إذ ليس في هذه الأحاديث اضطراب، وكلُّ ما فيها اختلافاتٌ قد أمكن الجمع بينها، فالاضطراب شيء والاختلافات شيء آخر مغاير.