والجواب على ذلك هو أن أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفيد الوجوب إلا بقرينة ولا قرينة هنا، بل القرينة هي على عدم الوجوب، وهي كون الفعل هنا في غير الوضوء المُجْزِئ، ولذا قلنا باستحباب مسح الأُذنين ولم نقل بوجوبه، وأما أنَّ الأُذنين من الرأس فإن هذا الحديث بجميع طرقه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، بل قال ابن حجر (قد ثبت أنه مُدْرَج) أي أنه من قول الرواة وليس من قول الرسول عليه الصلاة والسلام. قال الترمذي (قال قتيبة قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من قول أبي أمامة) وفي رواية أبي هريرة عند ابن ماجة عمرو بن حصين وهو متروك، ومحمد بن عبد الله بن علاثة وهو ضعيف، وفي رواية أبي أمامة عند ابن ماجة شهر بن حَوشَب وهو ضعيف. والرواية الثالثة لابن ماجة من طريق عبد الله بن زيد حسنة، إلا أنَّ القول «الأذنان من الرأس» مُدْرَج. وفي روايات ابن عمر عند الدارقطني الصحيح منها أنها كلها موقوفة، كما أفاد ذلك الدارقطني نفسه. وفي رواية أبي موسى عند الدارقطني اختلافٌ في الوقف والرفع، وصوَّب ابن حجر الوقف، أي أنَّه من قول الصحابي وزاد (وهو منقطع) وفي رواية عائشة رضي الله عنها عند الدارقطني محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد. قال ابن الصلاح: إن ضعفها كثير لا ينجبر بكثرة الطرق. وإذن فإنه لا يصح الاستدلال بهذه الأحاديث على وجوب مسح الأذنين. قال الشوكاني معقِّباً على هذا القول (وأُجيب بعدم انتهاض الأحاديث الواردة لذلك، والمتيقن الاستحباب فلا يُصار إلى الوجوب إلا بدليل ناهض، وإلا كان من التَّقُّول على الله بما لم يقل) والرواية الثانية عن أحمد أنه لا يجب مسح الأُذنين، قال ابن قُدامة في المغني (وقال الخلاَّل كلهم حكوا عن أبي عبد الله - أي أحمد- فيمن ترك مسحهما عامداً أو ناسياً أنه يُجزِئُه، وذلك لأنهما تبعٌ للرأس، لا يُفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه، ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس،