أما البند الثالث فإن قولهم إن عدداً من الصحابة ـ وذكروهم ـ رووا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثاً ثلاثاً، هذا القول صحيح ولكنه مجمَل، وجاءت الأحاديث الصحيحة تفسر هذا المجمَل وتبينه، وتجعل العدد في المغسول دون الممسوح، وأن الممسوح يُمسح مرة واحدة. والمعلوم أن الأحاديث المُجْمَلة تُحمَل على الأحاديث المُفصِّلة، وهنا أحاديثهم مجمَلة وأحاديثنا مفصِّلة، فتحمل أحاديثهم على أحاديثنا التي جعلت العدد في المغسول واستثنت منه الممسوح. قال ابن قُدامة (الأحاديث التي ذكروا فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثاً ثلاثاً أرادوا بها ما سوى المسح، فإن رواتها حين فصَّلوها قالوا ومسح برأسه مرة واحدة، والتفصيل يُحكم به على الإجمال ويكون تفسيراً له، ولا يعارض به كالخاص مع العام) وقال الشوكاني (والإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة، فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله ابن زيد وغيرهما هو المتعيِّن، لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات السابقة بالمرة الواحدة، وحديث «من زاد على هذا فقد أساء وظلم» الذي صححه ابن خُزَيمة وغيره قاضٍ بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال بعده النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المقالة، كيف وقد ورد في رواية سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة ثم قال: مَن زاد) وقال ابن المنذر (إن الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبنيٌّ على التخفيف، فلا يقاس على الغُسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتُبر في المسح لصار في صورة الغُسل، إذ حقيقةُ الغُسل جرَيانُ الماء، والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء) .